قانون التأمين الصحى الجديد.. بداية المعركة لا نهايتها
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الإثنين 25 ديسمبر 2017 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
اشتعل الخلاف بين مؤيدى ومعارضى قانون التأمين الصحى الشامل الذى أقره مجلس النواب الأسبوع الماضى، وتراوحت الآراء بين اعتباره خطوة نحو تحقيق الحماية الاجتماعية للمواطنين، والتوجس من أنه سوف يزيد الأعباء المالية عليهم دون تحسين مستوى الخدمة الصحية، ورفضه بالكامل اعتقادا بأنه يستهدف خصخصة المجال الصحى فى مصر.
وفى تقديرى الخاص أن هذا القانون مكسب مهم وتاريخى للشعب المصرى ويستحق أن يكون محل تقدير وترحيب خاصة ممن يحرصون على العدالة الاجتماعية لأنه يوفر الإطار التشريعى اللازم لتحقيق التغطية الصحية الشاملة لكل أبناء الشعب، ولو بعد حين. ولكن هذه الحماية الاجتماعية لن تتحقق بمجرد صدور القانون ولا بدخوله حيز التنفيذ بعد ستة أشهر، بل سوف تتوقف محصلته النهائية وما ينتجه من آثار ملموسة فى حياة الناس على عوامل كثيرة تالية وممتدة على مدى السنوات القادمة، بما فيها صدور عشرات القرارات التنفيذية من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزراء الصحة والمالية والتضامن الاجتماعى وغيرهم، وإنشاء هيئات جديدة، وتشكيل لجان من الدولة والقطاع الخاص والقطاع الأهلى، ونقل أصول وموظفين، وتطوير المستشفيات والوحدات الصحية والعيادات والمعامل، وتدريب جيل جديد من أطباء الرعاية الأولية، وتقييم التجربة فى مراحلها الأولى قبل التوسع فيها، والعديد من القرارات والسياسات والبرامج والمشكلات والعقبات التى سوف تعترض تطبيق هذا القانون. ولهذا فإن معركة القانون لن تنتهى بصدوره بل تبدأ معه، وعلى كل من يهمه الموضوع ألا يعتبر الموضوع منتهيا، بل يستمر فى الاجتهاد والمتابعة والتقييم والنضال من أجل تحقيق الهدف الاجتماعى النبيل الذى يسعى القانون لتحقيقه.
فى مجال التشريع هناك تفرقة مهمة بين نوعين من القوانين: القانون النافذ بذاته والقانون الذى يحتاج لقرارات تالية وسياسات تنفيذية لاحقة كى يكون نافذا. فالقانون الذى يرفع سعر ضريبة معينة مثلا ينفذ بمجرد صدوره لأنه قابل للتطبيق فور نشره فى الجريدة الرسمية ولا يحتاج لإجراء أو تدخل تالٍ. أما استحداث نظام جديد فى التعليم، أو تحسين مناخ الاستثمار، أو ضبط المرور، فكلها مواضيع لا يكفى لتطبيقها الفعلى مجرد صدور القانون، بل يلزم أن تلحقه مجموعة من السياسات والبرامج التنفيذية التى تترجم أهدافه إلى واقع على الأرض. ولهذا فإن هذا النوع الثانى من القوانين يطلق عليه بالإنجليزية وصف«Enabling Law» وترجمته «قانون الإتاحة» لأنه لا يحقق نتيجة فعلية بذاته بل يتيح المجال ويمنح الإطار القانونى اللازم لتطبيق السياسات والبرامج الكفيلة بتحقيق هذه النتيجة.
وقانون التأمين الصحى الجديد من قوانين الإتاحة لأنه فى الحقيقة لا يتناول سوى أربعة مواضيع رئيسية: الموضوع الأول هو التقسيم التدريجى لهيئة التأمين الصحى الحالية إلى ثلاث هيئات جديدة، واحدة تختص بتقديم الرعاية الصحية، والثانية بمراقبة جودة الخدمات الصحية، والثالثة بإدارة المنظومة التأمينية وتحصيل اشتراكاتها والإنفاق عليها. والموضوع الثانى هو وضع آلية قانونية لتحديد الخدمات الصحية الداخلة ضمن المظلة التأمينية وتسعيرها. أما الموضوع الثالث فهو تحديد الاشتراكات والرسوم والضرائب التى يتحملها العاملون وأصحاب العمل والمستهلكون والشركات وكذلك حصة الخزانة العامة من أجل توفير التمويل اللازم للإنفاق على هذا النظام التأمينى الجديد بشكل مستدام. وأخيرا فإن الموضوع الرابع هو وضع النظام القانونى الذى يتم من خلاله رفع كفاءة المستشفيات والخدمات الصحية ودخول كل محافظات مصر فى النظام الجديد خلال السنوات الثلاث عشر القادمة.
لهذا فإن القانون الجديد لن يحقق طفرة فى الخدمات الصحية بمجرد صدوره، ولا التغطية التأمينية الشاملة والمناسبة لكل المواطنين، بل هذه نتيجة تتوقف بالكامل على ما ذكرته من قرارات وسياسات وبرامج لاحقة تالية على صدور القانون. ولو تم تطبيقها بشكل سليم فإن القانون يكون قد نجح فى توفير الحماية الصحية للشعب المصرى، أما إذا تعثر التطبيق ولم يتم تأهيل المستشفيات ولا تدريب الأطباء ولا تسعير الخدمات بشكل عادل، فإن الأمر لن يعدو أن يكون تشريعا جديدا يحتفى به ثم يتم تجاهله.
ومع ذلك فإن مجرد صدور القانون خطوة مهمة لأن بدونه لا تتوافر حتى ظروف الإتاحة ولا إمكانية التغيير. ولكن الأهم من صدور القانون هو أن يستمر كل من يهمهم الموضوع ومن بادروا بالتعليق عليه سلبا أو إيجابا فى متابعته وفى الضغط والمتابعة والتدقيق عند كل التفاصيل التنفيذية التى يتوقف عليها مصير هذا التشريع المهم؛ لأنه بيدنا أن نعمل على نجاحه وبيدنا أيضا أن نتركه للإهمال والفشل.