ليس بالسمك وحده يحيا الإنسان
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 25 ديسمبر 2017 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
بحسب ما هو منسوب لصندوق النقد الدولى ونشرته عدة صحف مصرية، فإن هناك العديد من المؤشرات الإيجابية فى اقتصادنا الوطنى أهمها ارتفاع معدل النمو إلى 4.5 % خلال العام المالى 2017 ــ 2018 مقارنة بــ3.5% فى العام السابق، وانخفاض معدل التضخم إلى 22.1% على الرغم من ان البنك المركزى قال إنه يبلغ 33.26% فى سبتمبر الماضى، وتراجع الدين المحلى إلى 68.6% من إجمالى الناتج المحلى، بالإضافة إلى ارتفاع حصيلة الضرائب وإيرادات قناة السويس، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتبلغ 9.4 مليار دولار بعد أن كانت 8.8 مليار دولار فى العام الفائت.
ومع ذلك فإن كل هذه المؤشرات الإيجابية لم يشعر معها ملايين المصريين بأى تحسن فى مستوى معيشتهم، بل إن العكس هو الصحيح، فالتضخم الذى انخفض لم ينتج عنه انخفاض فى الأسعار، فى حين تؤكد الحكومة أن هناك ارتفاعات مقبلة فى سعر المياه والكهرباء والوقود مع زيادة تذكرة المترو إلى 6 جنيهات، ليبقى السؤال الخالد مطروحا: متى يشعر المواطن المصرى البسيط بـ«ثمار» الإصلاح الاقتصادى الذى نتبناه طبقا لروشتة الصندوق؟!
مجلس الوزراء قال على لسان متحدثه الرسمى السفير أشرف سلطان فى شهر يوليو الماضى إن المواطن المصرى سيشعر بثمار هذه الإصلاحات بعد سنتين أو ثلاث سنوات، دون أن يوضح لنا كيف سيحدث هذا؟ ولماذا نصدقه خاصة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه قال خلال افتتاحه مشروعات الاستزراع السمكى بالإسماعيلية نهاية العام الماضى إن المصريين سيشعرون بتحسن فى مستوى معيشتهم فى غضون 6 أشهر، وهو ما لم يحدث للأسف الشديد، حتى بعد افتتاح مزارع أسماك بركة غليون بكفر الشيخ والتى تصورها الدعاية الحكومية وكأنها ستحل أزمة الفقر والجوع فى البلاد؟!
الحقيقة الغائبة عن حكومتنا وعن صندوق النقد قبلها أن توزيع الثروة القومية فى مصر تعانى من خلل كارثى، فعندما يمتلك 10 % من المصريين 72% من هذه الثروة نصيب 1% منهم فقط 48.5 % منها، ويتصارع الـ90% الباقون على نسبة الـ28%، فإن أى وعود عن تحسين الأوضاع المعيشية لعموم المصريين لن تكون سوى حرث فى البحر، خاصة أن هؤلاء الـ90% هم الذين يحملون العبء الأكبر من فاتورة ما ترى الحكومة أنه إصلاحات اقتصادية!
وربما تكون فلسفة بناء العاصمة الإدارية الجديدة خير تعبير عن تصورات الحكومة الحقيقية فى هذه الإصلاحات المزعومة، بتكاليفها الباهظة التى تبلغ 45 مليار دولار، ويصل سعر أقل شقة فيها مساحة إلى مليون وربع المليون جنيه، فى نفس الوقت الذى اختفت فيه عن بؤرة الاهتمام الإعلامى الحكومى الوعود السابقة باستصلاح 4.5 مليون فدان، وإعادة تشغيل مئات المصانع المتوقفة عن العمل، وخطورة الاقتراض الفلكى من الخارج الذى سيتجاوز طبقا لتوقعات صندوق النقد نفسه حاجز 102 مليار دولار بعد 3 سنوات، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية.
طبقا لتوقعات اقتصادية نحن مقبلون على كارثة اقتصادية عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية، ففى يوليو المقبل سيحين أجل سداد الودائع والقروض العربية من القطاع المصرفى، والتى تبلغ نصف قيمة الاحتياطى الأجنبى الذى يتجاوز 36 مليار دولار، فإذا حدث فعلا وطالبت بها هذه الدول، فسوف يرتفع الدولار لأسعار فلكية سيتبعها بالضرورة ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية ولن يتحملها غالبية المصريين، بل ربما تهدد بشلل الاقتصاد المصرى كله لعدم توافر النقد الأجنبى لاستيراد مستلزمات الإنتاج!
قد لا يعترض أحد من حيث المبدأ على المشاريع القومية الكبرى كأنفاق سيناء ومزارع السمك الضخمة والمدن الجديدة، لكن غياب فقه الأولويات، والمشاركة الشعبية والديمقراطية فى اتخاذ القرارات الكبيرة، والانحيازات الطبقية الظالمة للفقراء ومحدودى الدخل، لن يسمح بتحقيق أى إصلاحات اقتصادية فعلية، بل سيزيد بالتأكيد من تفاقم الأزمات المعيشية، مهما حاولت الدعايات الحكومية تجميل الصورة بكل ما أوتيت به من حيل وألاعيب!