تاريخ الكمبيوتر: قصة تكامل عدة علوم
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 25 ديسمبر 2021 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
أجهزة الكمبيوتر غزت جميع أركان حياتنا، توجد أجهزة كمبيوتر فى ساعتك وتليفونك وجهاز اللابتوب، جميع المواقع التى تستخدمها على الانترنت بل والانترنت نفسها تدار بواسطة أجهزة كمبيوتر عملاقة، بدون أجهزة الكمبيوتر لم نكن لنسمع عن مصطلحات مثل الذكاء الاصطناعى والرقمنة، هذا كله مدهش لكن قصة اختراع الكمبيوتر لا تقل ادهاشا عن قصة احتلال ذلك الجهاز لكل مناحى الحياة، فما هى القصة؟
تاريخ الكمبيوتر لا يعود إلى أربعينيات القرن الماضى كما يظن الكثيرون بل إلى ما قبل ذلك بكثير، فى القرن السابع عشر حاول الفيلسوف والرياضى الألمانى جودفريد لايبنز (1646ــ1716) وهو الحاصل على دكتوراه فى القانون ومخترع علم التفاضل والتكامل (بالتوازى مع إسحاق نيوتن) وضع قواعد وخطوات يمكن بها محاكاة طرق التفكير البشرية، فى نفس الوقت وضع عالم الرياضيات ومهندس الميكانيكا والفيلسوف الإنجليزى تشارلس باباج (1791ــ1871) تصميم جهاز ميكانيكى يقوم بتنفيذ خطوات حسابية بسيطة ويُعتبر هذا التصميم الجد الأكبر لأجهزة الكمبيوتر الحالية إلا أن باباج لم يكمل بناء هذا الجهاز نتيجة لنقص التمويل ومشاكل مع مساعده، حتى هذه اللحظة ما زال الأمر يتعلق بجهاز يقوم فقط بعمليات حسابية حتى جاءت عالمة الرياضيات والكاتبة آدا لوفلاس (1815ــ1852) بإثبات أن تلك الأجهزة (وقد درست بعمق تصميم جهاز باباج) يمكن أن تقوم بما هو أكثر من مجرد حسابات وكانت هذه أحد الإرهاصات الأولى (بجانب ما وضعه الخوارزمى) لعلوم البرمجيات بل إن إحدى لغات البرمجة تسمت باسمها.
بالتوازى مع كل ذلك اخترع الرياضى والفيلسوف الإنجليزى جورج بوول (1815ــ1864) نوعا جديدا من الرياضيات يقوم على العمليات المنطقية وقد استلهم ذلك من لايبنز الذى ذكرناه فى البداية وهذه العمليات المنطقية يمكن استخدامها لعمل العمليات الحسابية، قد يبدو هذا مربكا إذ ما علاقة خطوات تتبع علم المنطق بالعمليات الحسابية العادية فى الرياضيات مثل الجمع والطرح؟ هذا هو جمال ما فعله جورج بوول. إذا وضعنا كل ذلك بجانب بعضه كقطع البازل لوجدنا أننا باستخدام المنطق يمكن بناء جهاز يقوم بعمليات حسابية وتلك العمليات الحسابية يمكن أن تُستخدم لوضع برنامج يقوم بمهمات أخرى مثل اتخاذ القرارات إلخ. إذا فنحن أمام نظريات متكاملة من علوم المنطق والرياضيات تضع اللبنات الأولى لما سيعرف لاحقا باسم جهاز الكمبيوتر، لكن يبقى شىء مهم: كل هذا كلام نظرى، كيف سنبنى هذا الجهاز؟
جاءت الإجابة من المهندس الأمريكى العبقرى كلود شانون (1916ــ2001) الذى له إسهامات فى علوم المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعى وبناء أجهزة الكمبيوتر، كلود شانون أثبت أنه يمكن بناء أجهزة تعتمد على قواعد جورج بوول باستخدام مجموعة من المفاتيح (switches) يشبه مفتاح الإضاءة الذى نستخدمه لإضاءة النور فى الغرفة، هذه القطع الإلكترونية التى تقوم مقام المفتاح (أى فتح وغلق) نسميها اليوم الترانزيستور وهو حجر بناء أجهزة الكمبيوتر الحالية، هذا كان إيذانا ببناء أول جهاز كمبيوتر إلكترونى يعتمد على نوع بدائى من المفاتيح سنة 1941 (حيث لم يكن الترانزيستور قد تم اختراعه بعد) على يد الألمانى كونراد زوس ثم تم إدخال تحسينات عليه على يد الأمريكيين بورسبر ايكر وجون موكلى سنة 1946، ثم أدخل جون فون نويمان العالم الرياضى العبقرى الأمريكى من أصل مجرى تعديل جوهرى باقتراح ما يعرف الآن بذاكرة جهاز الكمبيوتر وقد نفذ هذا التعديل البريطانى موريس ويلكز، هذا كان إيذانا بميلاد علم جديد يسمى هندسة الحاسبات.
لنترك كل هذا جانبا وننظر إلى ورقة بحثية مهمة نشرها عالم الرياضيات الإنجليزى الفذ آلان تيورنج (1912ــ1954) سنة 1936 تدرس ما هى العلميات الحسابية التى يمكن للكمبيوتر القيام بها وما هى تلك التى لا يستطيع القيام بها، تلك الورقة البحثية يعتبرها الكثيرون حجر الأساس لعلم جديد آخر نسميه الآن علوم الحاسب.
فى هذه الرحلة السريعة لتاريخ أجهزة الكمبيوتر (هناك عشرات من العباقرة لم نذكرهم فى تلك الرحلة) نرى أن تصميم جهاز الكمبيوتر أو ما نسميه هندسة الحاسبات وُلد من رحم علم الالكترونيات الذى وُلد من رحم الفيزياء والتى تعتمد على الرياضيات، أما علوم الحاسب فقد وُلدت من رحم علوم المنطق والرياضيات، ولا يجب أن ننسى أن الرياضيات ارتبطت تاريخيا ارتباطا وثيقا بالفلسفة.
أما كيف تطورت أجهزة الكمبيوتر لتصل إلى ما نحن عليه الآن وكيف تطورت لغات البرمجة وكيف ظهرت تلك التطبيقات الكثيرة لأجهزة الكمبيوتر بما فيها الذكاء الاصطناعى فتلك قصص مدهشة أخرى... وللحديث بقية.