نشرت صحيفة هاآرتس مقالا للكاتب إريك ألترمان تناول فيه تاريخ توتر العلاقات بين الإسرائيليين واليهود ذوى الأصول الأمريكية، متسائلا هل يفضى هذا التوتر فى النهاية إلى إعلان اليهود الأمريكيين انفصالهم عن إسرائيل أم للقدر كلمة أخرى؟... نعرض من المقال ما يلى:بالنسبة لليهود الأمريكيين الليبراليين، تعد حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة مصدرا للقلق والعزلة، لذا يفرض هذا التوتر ضرورة إعادة النظر فى علاقات يهود أمريكا مع إسرائيل التى تعاملهم بازدراء.
تعزو معظم الروايات الإخبارية أن سبب هذا التوتر يرجع لحاجة بنيامين نتنياهو الماسة لتلبية مطالب شركائه المتطرفين من أجل تجنب الملاحقة القضائية على الجرائم المزعومة التى ارتكبت خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء سابقا. بالتالى يرجح أن نتنياهو سيشكل حكومة ائتلافية يمينية متطرفة للتهرب من العدالة، ستدفع تلك الحكومة إسرائيل فى اتجاه اللاليبرالية والثيوقراطية والاحتلال الدائم للضفة الغربية؛ أى حكومة ستزيد من ترسيخ تلك الممارسات اللاإنسانية التى تناسب تعريف المحكمة الجنائية الدولية لـ «الفصل العنصرى».
بالنظر إلى حقيقة مفادها أن معظم اليهود الأمريكيين ملتزمون بمبادئهم الليبرالية، فمن شبه المؤكد أن هذه التغييرات المذكورة آنفا ستؤدى إلى معاناة من جانب ملايين الأشخاص الذين لطالما تم تحديد هوياتهم الشخصية من خلال الصراع بين ليبراليتهم وصهيونيتهم.
• • •
بالرجوع لتاريخ العلاقة بين المجتمعين اللذين يشكلان ما يقرب من 80 فى المائة من العالم اليهودى ستنكشف الحقيقة المؤلمة لليهود الأمريكيين، ألا وهى بينما كانوا يميلون إلى المؤاخاة والتصديق الأعمى لليهود الإسرائيليين، فإن «أبناء عمومتهم»، أحيوا هذا الشعور بمزيج من التسلية والازدراء.
كما لاحظ المؤرخ الإسرائيلى الراحل زئيف ستيرنهيل ذات مرة أن الأيديولوجية الصهيونية بعقيدتها القائمة على أساس (نفى الشتات)، «فى بعض الأحيان تكون هذه العقيدة أكثر عنفا من عقيدة معاداة السامية» ــ أى معادية للأثرياء والمدللين الأمريكيين على حد قول الكاتب.
امتد هذا الرأى إلى المفكر الصهيونى أ. د. جوردون، الذى يعتبر أحد الكتاب والمفكرين الأوائل الأكثر نفوذا فى الصهيونية العمالية، حيث وصف الحياة اليهودية فى الشتات بأنها «طفيلية لشعب عديم الفائدة بشكل أساسى». كما وصف زئيف جابوتينسكى، مؤسس الصهيونية الإصلاحية، بأنهم «يهود قبيحون ومرضى»، وسخر الروائى الليبرالى أ. ب. يهوشوا من اليهود الأمريكان بأنهم يتظاهرون بالالتزام باليهودية بينما يُحييها الإسرائيليون كل يوم فى تصرفاتهم، على حد قول الكاتب.
أشار الكاتب أيضا إلى احتقار الإسرائيليين للممارسات الدينية الأمريكية اليهودية. إذ وصف شلومو عمار، كبير حاخامات سفاردى الإسرائيلى السابق ــ فى عام 2017 ــ يهود الإصلاح، أكبر طائفة دينية لليهود الأمريكيين، بأنهم «أسوأ من منكرى الهولوكوست». جاء ذلك فى أعقاب تعليق صدر من قبل نائب وزير التعليم الإسرائيلى آنذاك مئير بوروش بأن يهود الإصلاح الذين يصلون عند الحائط الغربى «يجب إرسالهم إلى الكلاب» فى عام 2016.
هل من الغريب ألا تعتقد أى حكومة إسرائيلية أنها تستطيع البقاء إذا قامت بسن أى إصلاحات فى الكوتل/ حائط المبكى لتناسب حتى احتياجات اليهود المحافظين (ناهيك عن يهود الإصلاح)؟
منذ الأربعينيات من القرن الماضى، كان اليهود الأمريكيون يقدسون الطابع الدينى الجديد الذى خلقته الصهيونية، كيف لا يمكنهم ذلك؟ فلقد انتصر يهود إسرائيل بالفعل فى الحروب، ولونوا الصحراء بالأخضر، وأحيوا اللغة العبرية وخلقوا أول كومنولث يهودى منذ 2000 عام من رماد أكبر كارثة أصابت الشعب اليهودى فى تاريخهم.
بالطبع، تم استبعاد الكثير من رواية الانتصار هذه، على سبيل المثال الأحداث المتعلقة بكل من النكبة ومعاملة إسرائيل التمييزية لأكثر من 20 فى المائة من سكانها الذين يُعرفون الآن بأنهم فلسطينيون إسرائيليون.
ولكن عندما شرع ليون أوريس فى إضافة فصل جديد إلى الكتاب المقدس، روايته الخيالية «الخروج» التى نُشرت فى عام 1958 وتلاها الفيلم بعد ذلك بعامين؛ آمن العديد من اليهود الأمريكيين بتلك القصة عن ظهر قلب أكثر مِن الكتاب المقدس الفعلى. لقد ساعدوا فى جعلها أحد أكثر الكتب مبيعًا فى كل العصور وفيلمًا ناجحًا.
كان الإسرائيليون سعداء بالاستفادة من هذه الرواية، رغم أنهم وجدوها سخيفة. فاعترف رئيس الوزراء آنذاك ديفيد بن جوريون بأن رواية أوريس عانت من «افتقار المؤلف للموهبة» عند الحكم عليها على أنها عمل خيالى. لكنه اعتقد أنها «كقطعة دعائية» أعظم شىء كُتب عن إسرائيل على الإطلاق.
ووافقت وزيرة الخارجية جولدا مائير (وخليفة بن جوريون المستقبلى) على ذلك. واعترفت بأن الرواية تحتوى على «الكثير من الهراء»، لكنها توقعت أن تكون «ذات أهمية أكبر من جميع زيارات الوزراء وحتى 60 عامًا من الصهيونية، ومن كل الدعاية والترويج الإعلامى».
كانت هذه المشاعر عنصرًا أساسيًا فى العلاقة الإسرائيلية الأمريكية اليهودية. فى نوفمبر 1985، وجد اليهود الأمريكيون أنفسهم عالقين فى كابوس مزعج عندما اندلعت أنباء عن اعتقال السلطات الأمريكية يهوديًا أمريكيًا (جوناثان بولارد) وزوجته بتهمة التجسس على الحكومة الأمريكية لصالح إسرائيل. وشبه الكاتب بولارد بوحش فرانكشتاين الذى بُعث للحياة.
مرة أخرى، لم يتأثر الإسرائيليون بحساسيات أبناء عمومتهم الأمريكيين. أحبطت الحكومة فى القدس محاولات تقديم أى من معاونى بولارد الإسرائيليين إلى العدالة، مما دفع الباحث الليبرالى شلومو أفينيرى للسخرية من ذلك واعتبره «عصبية وانعدام الأمن» لليهود الأمريكيين أمام جيرانهم من غير اليهود. استقبل نتنياهو بولارد كبطل قومى فى مطار بن جوريون عندما تم إطلاق سراحه أخيرًا ووصل على متن إحدى طائرات شيلدون أديلسون فى ديسمبر 2020.
• • •
لفت الكاتب الانتباه إلى تعليمات القادة الإسرائيليين الدائمة لليهود الأمريكيين بدعم الحكومات الأمريكية التى يكرهونها بسبب دعمهم لإسرائيل. بالتالى سار على الدرب السفير إسحاق رابين وأيد حكومة ريتشارد نيكسون المعادى للسامية فى عام 1972، وواصل نتنياهو هذا التقليد لدونالد ترامب الأكثر معاداة للسامية بعد ما يقرب من نصف قرن.
عندما عقد ترامب ونتنياهو مؤتمرا صحفيا مشتركا فى فبراير 2017، ذكر صحفى إسرائيلى ارتفاع الحوادث المعادية للسامية منذ انتخاب ترامب وسأل عما إذا كانت إدارته «تلعب على كراهية الأجانب وربما النبرات العنصرية». تدخل نتنياهو ليقسم أنه «لا يوجد مؤيد أكبر للشعب اليهودى والدولة اليهودية من الرئيس دونالد ترامب».
لم يمر على تولى ترامب منصبه فى ذلك الوقت 30 يومًا. ومع ذلك، قبل أسابيع قليلة فقط، فى تصريحاته فى اليوم الدولى لإحياء ذكرى المحرقة، فشل بطريقة ما فى ذكر حقيقة أن أيًا من الضحايا كانوا من اليهود. (هذا تكتيك مفضل لإنكار الهولوكوست).
ولكن عندما سئل نتنياهو عن إغفال ترامب الواضح للضحايا اليهود، لم يكن بإمكان الرجل الذى تخيل نفسه ممثلا لجميع يهود العالم إلا أن يكرر: «هذا الرجل صديق عظيم للشعب اليهودى ودولة إسرائيل». وبالتالى فإن مخاوف اليهود الأمريكيين «بشأن ترامب» كانت «فى غير محلها».
اختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن مخاوف يهود أمريكا قد تكون فى محلها ــ بخاصة ــ مع ظهور حكومة لا تهتم بأى شىء يتعلق بمخاوف اليهود الأمريكيين، وتبدو مستعدة لإخبار العديد منهم بأنهم غير مؤهلين قانونًا للعودة، فيما يخص قانون العودة لإسرائيل.
كُتب عهد «الخروج» وظهر للعيان بينما لا يزال المستقبل غير معلوم.
ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلى https://bit.ly/3WdWBOR\