نشر موقع رصيف 22 مقالا للكاتبة ستيفانى غانم تدعو فيه مع قرب إسدال ستار العام الحالى إلى تذكر انتصاراتنا مهما كانت صغيرة والاحتفال بها لما له من تأثير إيجابى على صحتنا النفسية والجسدية... نعرض من المقال ما يلى:يشارف العام الحالى على نهايته بكل ما حمل من أحداث وتغيرات، ليضعنا مرّةً جديدةً أمام تدقيق ذاتى للإنجازات التى حققناها، كما الإخفاقات، وما بينهما من محاولات نجحت وأخرى باءت بالفشل.
يأتى العيد الصاخب حاملا لنا سؤالا وجوديا خلف ضوضاء الهدايا والتوقعات الاجتماعية: «هل نحن راضون عن أنفسنا هذا العام؟». هذا السؤال يضعنا جميعا أمام ذاتنا بكليتها، كفحص سريرى شامل يعاين وضعنا النفسى، الجسدى، الاجتماعى، المادى، والروحى، لنجد أنفسنا نحلل مجريات عامنا الذى مضى متذكرين ما أبكانا وما أفرحنا، وما جعلنا نشعر بالفخر وما أُجبرنا على فعله، لكن السؤال الأهم: هل سنكون منصفين فى تقييمنا لأنفسنا أم أننا سوف نعظّم الألم ونتجاهل الانتصارات؟
لنبدأ بلعبة صغيرة: لنغمض عيوننا ولنحاول تذكّر واقعة حدثت معنا خلال العام الحالى، وأثّرت فينا بشكل كبير.
بحسب العلماء، فإن معظم الأشخاص سوف يتذكّرون الأحداث السيئة أو الموجعة أكثر، ولهذا الأمر أسباب لها علاقة بتطوّر الإنسان وتجنيد غريزة البقاء أمام الأحداث التى تضع صحته الجسدية أو النفسية فى خطر. على سبيل المثال، فإنه من الأسهل على المحارب أن يتذكر ملامح عدوّه، من التركيز على نوع الشجرة التى كان يختبئ خلفها. بمعنى آخر، من السهل على الشخص أن يتذكر الصدمات المؤلمة التى جرت فى يوم معيّن على حساب أى حدث آخر جرى فى اليوم ذاته.
للذاكرة دور أساسى فى حفاظ الشخص على حياته، فهى تخزّن المعلومات والصور والتجارب السلبية والخطيرة وتفعّلها تلقائيا حين يشعر المرء بأى شعور سلبى، ما يعنى أن مشاعر الحزن والفشل وغيرها التى تُصنَّف فى خانة المشاعر السلبية، تتحوّل إلى دفاعات نائمة تستيقظ حين يختبر الإنسان أى شعور شبيه بأسلافه للحفاظ على حياة الشخص من باب الغريزة الطبيعية أو ما يُسمّى بالـ«Survival mode».
فى المقابل، أن يعيش الإنسان فى وضع يشعر فيه دوما بإلزامية الدفاع عن نفسه فى وجه الضغوط المختلفة أمر متعب من الناحية النفسية، وله تداعيات عدّة: مشكلات فى النوم، والشعور بالتعب الدائم حتى فى غياب أى جهد جسدى، والقلق تجاه ما قد يحمله المستقبل، والتسرع فى ردات الفعل، وضبابية التذكر والتفكير، ومشكلات فى التركيز، وعدم القدرة على أخذ إجازة من المسئوليات اليومية وغيرها من مؤشرات تُظهر أن الشخص يعيش معركة الحياة من دون التمتع بلذّتها. كل هذا من شأنه التسبب فى إرهاق الذاكرة والتقليل من منسوب الإدراك المنطقى للأمور التى قد يواجهها الشخص بحيث يتوقف عند ما هو سلبى ويكتسبه، أما الإيجابى فيمرّ عليه مرور الكرام من دون أن يسعد به أو يتلقّفه.
إن كان طبيعيا أن نتذكر صدماتنا وآلامنا أكثر من اللحظات الجميلة والمفرحة، فهذا يعنى أننا معرّضون للنظر إلى الحياة من منظار سلبى منتظرين المصائب لتأتينا فنثبت أننا قادرون على تخطّيها. وحتى عند تخطّى المصيبة، نرى بعض الأشخاص يلومون أنفسهم على طريقة إدارتهم للأزمة، أو شعورهم بالتقصير أو الذنب أو بإظهار العواطف.
أما مفهوم «الانتصار»، فشأنه شأن غيره من المفاهيم الاجتماعية، يلفّه الكثير من الأفكار النمطية التى قد تضع الإنسان فى موقع العاجز إن لم يتسلّق القمر. فالانتصار بالمفهوم الرأسمالى الضيّق قد يعنى تخطى شخص آخر، والربح عليه، والكسب الأكثر، والوظيفة الأنجح، والمنزل الأكبر، والسيارة الأجدد، أى التبارى والسباق الأزلى لتحقيق مكاسب مادية واجتماعية بالتساوى مع من نعتقد أنهم منتصرون.
أما الانتصار الفردى، فتعريفه خارج تلك المنظومة النمطية، ويعنى كسر المفاهيم النمطية النفسية والتجرّؤ على تجاوز المخاوف الخاصة التى تربّى عليها الشخص والتى كانت تعرقل تطوّره فى أى من نواحى الحياة.
قول «لا»، لما لا نريده انتصار.
الاهتمام بصحتنا النفسية انتصار.
ترك وظيفة كنّا فيها مظلومين انتصار.
بناء علاقة روحية مع عزيز غادرنا انتصار.
قدرتنا على المراجعة الذاتية من دون الجلد الذاتى انتصار.
أى سلوك جديد نقوم به ويخدم صحتنا الجسدية والنفسية ويشعرنا بالفرح، مهما كان صغيرا وحتى لو لم يصفّق لنا أحد، هو انتصار أيضا يجب التوقف عنده، وعدم تسخيفه، لا بل التصفيق الذاتى له.
لأننا ببساطة إن لم ندرك انتصاراتنا، فإننا لن نتعلّم شيئا من هزائمنا. إدراك الانتصار يفعم النفس بالثقة ويدفعها إلى الأمام ويحررها من الشعور المضنى بالعجز، كشعور ذلك المحارب الذى يرمى سلاحه أرضا عند انتهاء المعركة، فيبكى فرحا للتفكير فى أنه قريبا يعود إلى عائلته حيّا لا يهدد حياته أحد.
الانتصارات الصغيرة كالهواء العذب النقى، تعطى دفعا إلى الأمام وتخفف من ألم التجارب السلبية وتاليا تحمى الشخص من الوقوع فى مستنقع الكآبة المرضية.
علينا ألا ننسى الاحتفال بأنفسنا مع نهاية هذا العام. كأن نشترى لأنفسنا هديةً. نتحدث عن إنجازاتنا وانتصاراتنا باللهفة نفسها التى نتحدث بها عن تجاربنا المريرة، حتى تصبح أسلوب حياة فتنعم ذاكرتنا بتجارب أفراحنا وترسم على وجوهنا البسمة.
النص الأصلى https://bit.ly/3I2fVu