لم تفصل سوى أيام قليلة بين ظهور بعض البوادر التنافسية للانتخابات الرئاسية ٢٠١٨ وبين الانتهاء عملا إلى انتخابات المرشح الواحد.
من جهة أولى، صنعت حملة المحامى المحترم الأستاذ خالد على حراكا شبابيا حقيقيا ما أن شرعت فى جمع التوكيلات الشعبية المطلوبة للترشح. تفاعلت الحملة فى العاصمة القاهرة وفى محافظات عدة مع مواطنين إما يبحثون عن التغيير، أو ينتمون إلى تيار اليسار الديمقراطى الذى يعبر عنه الأستاذ على، أو يريدون الاحتجاج على أوضاع اقتصادية وسياسية يرفضونها. حشدت الحملة أيضا تأييد بعض الأحزاب المعارضة كأحزاب التيار الديمقراطى وحزب مصر القوية، وتأييد بعض المجموعات الشبابية مثل ٦ ابريل وحركة الاشتراكيين الثوريين التى أجبرها إغلاق الفضاء العام على الابتعاد عن المشاركة السياسية منذ ٢٠١٣ وبدت خلال الأيام القليلة الماضية عازمة على العودة إليها من بوابة الانتخابات الرئاسية.
من جهة ثانية، أحدث إعلان رئيس الأركان الأسبق الفريق سامى عنان ترشحه للرئاسة حراكا سياسيا من نوع مختلف ارتبط لدى بعض النخب المدنية المعارضة بإحياء الأمل فى شراكة بين العسكريين والمدنيين تعيد البلاد إلى مسار تحول ديمقراطى، ذلك الأمل الذى عبر عنه اختيار الفريق عنان للمستشار هشام جنينة والدكتور حازم حسنى كنائبين وتكليفهما بملف حقوق الإنسان (جنينة) وملف التمكين السياسى والاقتصادى (حسنى). أما لدى البعض الآخر من النخب المدنية المعارضة فقد تعلق الحراك الذى رتبه إعلان الفريق عنان بحسابات برجماتية مفادها أن الفريق يملك فرصا فعلية لمنافسة رئيس الجمهورية الحالى فى الانتخابات القادمة لكونه ينتمى إلى المؤسسة العسكرية، ومعلوم التوجهات للأجهزة الأمنية النافذة، ولمعرفته بدولاب عمل الدولة المصرية وسبل بناء الولاء داخلها على نحو يقلل من احتمالية مقاومة أو رفض المؤسسات والأجهزة النافذة له حال فوزه فى الانتخابات.
***
غير أن تلك البوادر التنافسية سرعان ما تلاشت بإلغاء ترشح الفريق سامى عنان بعد بيان القيادة العامة للقوات المسلحة بشأنه فى ٢٣ يناير ٢٠١٨، والخطوات المتسارعة التى اتخذت ضده فى أعقاب البيان وتمثلت فى الاستدعاء للتحقيق، واستبعاد الهيئة الوطنية للانتخابات لاسمه من قاعدة الناخبين. وفى ٢٤ يناير ٢٠١٨، أعلن المحامى خالد على، وبعد أن نجحت حملته فى جمع توكيلات شعبية اقترب عددها من ١٥ ألفا وفقا لتقديرات صحفية متنوعة، انسحابه من الترشح للانتخابات الرئاسية معزيا قراره إلى تدخلات المؤسسات والأجهزة الرسمية فى العملية الانتخابية وإهدار حق المصريين فى انتخابات تعددية وتنافسية حقيقية.
بين إلغاء ترشح عنان على نحو قسرى والانسحاب المسبب لعلى، انتهى مشهد الانتخابات الرئاسية ٢٠١٨ عملا إلى انتخابات الرئيس الحالى ــ المرشح الواحد ــ الفائز المؤكد (بعيدا عن كل ما يثار لحظة كتابتى لهذه الكلمات من أقاويل بشأن عزم حزب الوفد الدفع بمرشح «اللحظة الأخيرة» إلى الانتخابات، أقاويل لم أصدقها بداية ثم حين تواترت تملكنى الحزن على ما آلت إليه أحوال الحزب صاحب التاريخ المديد والدور الناصع فى السياسة المصرية قبل ١٩٥٢ والدور المهم خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين).
يدلل تلاشى البوادر التنافسية للانتخابات الرئاسية ٢٠١٨ على الانتفاء الكامل لرغبة نظام الحكم الراهن فى توظيف الانتخابات كآلية ديمقراطية. فصنف معين من المرشحين المحتملين مرفوض (الفريق شفيق والفريق عنان)، والتعددية والمنافسة الحقيقيتان مرفوضتان، وأمور كاستخدام العملية الانتخابية لفتح فضاء عام مغلق وتكثيف أصوات الاحتجاج على أوضاع اقتصادية وسياسية بعينها (هدف خالد على) أيضا مرفوضة. وفى استبعاده لمرشحين بعينهم ورفضه للمنافسة الحقيقية، يصدر نظام الحكم عن قراءة لحال السياسة فى مصر مفادها السيطرة المطلقة لرئيس الجمهورية على أدوات السلطتين التنفيذية والتشريعية، وقدرة الأجهزة الأمنية على مواصلة إغلاق الفضاء العام دون مواجهة تحديات أو مخاطر كبرى، والضعف الشديد لحركات وأحزاب المعارضة التى يعنيها اليوم فى ٢٠١٨ التوظيف الديمقراطى للعمليات الانتخابية وأرهقتها سنوات التعقب والتضييق منذ ٢٠١٣. ولقراءة نظام الحكم لحال السياسة فى مصر امتداد يمثله إدراكه الواقعى للمشهد الإقليمى والدولى الذى تشكله رغبة القوى المؤثرة فى الشرق الأوسط والقوى العالمية فى استمرار رئيس الجمهورية الحالى فى منصبه وخوفها من احتمالية تعرض مصر لما تراه هى تغيرات غير مرغوبة فى قمة هرم الحكم والسلطة. قراءة كهذه للسياسة الداخلية وللمشهد الإقليمى والدولى تقطع بانتفاء رغبة نظام الحكم فى توظيف الانتخابات ديمقراطيا، مثلما تنفى عنه التوجه الجاد لتغيير احتكاره للسياسة ولفتح الفضاء العام المغلق ولإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان المتراكمة.
***
هل كانت، إذا، محاولة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية ٢٠١٨ من قبل خالد على كمرشح للصوت الاحتجاجى ولصوت اليسار الديمقراطى وسامى عنان كمرشح محتمل لتحالف ديمقراطى الهوى من العسكريين والمدنيين (وسابقا على ترشح عنان مسعى أحمد شفيق) متهافتة وعديمة الجدوى؟ بكل تأكيد لا. فالمحاولة كانت مثل المرآة التى عكست حقائق السياسة فى مصر، وأجلت للرأى العام فى بلادنا ملامح السيطرة المطلقة لنظام الحكم على أدوات السلطتين التنفيذية والتشريعية وتفاصيل الهامش شديد المحدودية الذى يتحرك به المعارضون. محاولة ترشح على وعنان، على الرغم من القصر الزمنى الشديد لأيامه، أنتجت حراكا سياسيا بين شرائح من الشباب وبعض النخب المدنية يمكن أن يبنى عليه مستقبلا.