حينما أعلنت دولة الإمارات العربية عن تعيين وزيرة للسعادة لا يتعدى عمرها الأربعة والعشرين ربيعا سخر الكثيرون من الفكرة زاعمين أنها رفاهية البلاد الثرية لكن هناك أيضا من رأى فى الأمر اهتماما واجبا من الدولة تجاه مواطنيها وشعورا قويا بالمسئولية وكنت أنا منهم. حتى لو جاءت الفكرة دعائية كم قال الكثيرون فأنا أراها ذات ملمح إنسانى بديع من جانب الحاكم الذى رأيته يتحرك بحرية ودون أى حراسة فى شوارع دبى فى زيارتى القصيرة لها. حينما سألت سمعت أنها بالفعل وزارة لها مسئوليات محددة واضحة هدفها اقتراح أى مشروعات تتيح قدرا أفضل من الرضا والتراضى بين الإنسان الإماراتى والبيئة من حوله سواء كان هذا فى عمله أو مستقبله بل لقد رأيت نموذجا لأحد استطلاعات الرأى التى يجيب فيها موظفو الدولة على مجموعة من الأسئلة عن معوقات العمل واقتراحاتهم لتحسين سير العمل وآمالهم الخاصة.
إذا اعتبرنا السعادة ترفا ليس على الحكومات أن تهتم به وأن ما فعلته الإمارات مبالغة لا تحتملها ميزانيات دول مثقلة فما بالنا بما فعلته بريطانيا العظمى.
أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا هذا الأسبوع أنها قد عهدت إلى «تراس كراوتسن» تولى وزارة جديدة فى حكومتها تهتم بمشاكل الوحدة والعزلة التى تطال ما يزيد عن تسعة ملايين من الذين يعانون وحشة العزلة والانعزال عن المجتمع حولهم.
المقصود بالطبع المسنون الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والسبعين وغالبا ما يعيشون أياما قاتمة وفى عزلة تامة خاصة أيام الشتاء الباردة.
قضية عزلة كبار السن فى بريطانيا كانت محور اهتمام النائبة العمالية جوكوكس والتى انشأت للمرة الأولى لجنة فى البرلمان للاهتمام بقضية عزلة كبار السن فى بريطانيا لكن القدر لم يمهلها أن ترى نتاج ما سعت إليه بقوة اليوم فقد اغتالها مهووس سياسى إذ كان لها موقف معارض واضح من انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى.
أخرجت جوكوكس قضية عزلة المسنين إلى العلن فما كان من رئيسة وزراء بريطانيا إلا أن أعلنت عن وزارة تتولى مسئولية التعامل مع تلك المشكلة الاجتماعية الإنسانية التى نشأت نتيجة لتزايد متوسط الأعمار فى إنجلترا الدولة التى تأتى على رأس قائمة أفضل نظام للتأمين الصحى وخدمات الرعاية الصحية.
وزيرة الوحدة فى بريطانيا أيضا امرأة كتلك التى أوكلوا لها شئون السعادة فى الإمارات اعترافا بقدرات المرأة الإنسانية.
اقتراح وزارات جديدة تهتم بقضايا مجتمعية بلا شك هو شعور عميق بالمسئولية تمارسه الحكومات لخدمة الشعب هناك أمثلة كثيرة ربما اخترت أنا أحدثها. الفهم الكامل لهموم الناس وقضايا المجتمع وخصوصية تلك القضايا كان الأكثر أهمية لدى حكومات تدرك جيدا من أتى بها إلى تلك الكراسى وبأى وسيلة. الديمقراطيون، الجمهوريون، المحافظون، العمال أو الخضر كلها وغيرها أحزاب هدفها فى النهاية واحد وإن اختلفت الوسائل الهدف دائما هو خدمة الناخب الذى أعطى الحزب صوته، خدمة المواطن لأنه وحده القادر على دعم الحزب أو خذلانه وفقا لما حقق من أجله.
إذا كان لنا أن نقترح وزارة جديدة ــ الواقع أننا بحاجة لوزارات جديدة ــ بعيدا عن السعادة لأن كل شىء نصيب، بعيدا أيضا عن العزلة لأن العشوائيات لا تقيم حدودا بين البشر فى بلادنا، فهم والحمد لله يتشاركون فى المعايش دون أدنى حرج فالكل فى الهم سواء.
أى مشكلة مما نعانى تحتاج وزارة جديدة ونحن على أعتاب تشكيل حكومة جديدة.
بحكم المهنة: عن الصحة أتحدث لا عن وزارة الصحة حتى لا يسىء البعض فهمى.