الاندفاع من جماعة الإخوان وغالبية أنصارها لتأييد ترشح سامى عنان لانتخابات الرئاسة، «حرق» الرجل بصورة كاملة، لكنه من ناحية أخرى جدد تذكير كثيرين بأن الجماعة يمكنها التضحية بكل شعاراتها من أجل أن تستمر فى المشهد السياسى. الجماعة ترى هذا الأمر برجماتية سياسية، وخصومها يرونه انتهازية محضة.
منذ خروج الجماعة من السلطة بعد ٣٠ يونية ٢٠١٣، وهى دائمة الانتقاد لما تسميه «حكم العسكر» ويشن إعلامها وأنصارها، هجمات لا تتوقف ضد القوات المسلحة، بل لا يفرقون فى أحيان كثيرة ما بين المؤسسة والأشخاص!! هى تلصق كل مشاكل مصر بهذه المؤسسة، كان كثيرون يعتقدون أن هذا موقف مبدئى للجماعة، بغض النظر عن مدى صحته!!
البعض اعتقد ــ واهما ــ أن شعارات ومواقف الجماعة المعلنة، لن تجعلها تقدم على تأييد أى شخص يكون منتميا للمؤسسة العسكرية، أو حتى قريبا، بالترشح للرئاسة، أو لأى منصب!!
وفجأة انهار كل ذلك مع إعلان عنان عن ترشحه ليل الجمعة قبل الماضى. لم تمض ساعات على إعلانه الترشح حتى فوجئنا بسيل عارم من التأييد لعنان، من قيادات وكوادر وأعضاء الجماعة. كانت هناك قلة قليلة فقط عارضت، واعتبرته ضد الشعارات المرفوعة، لكنها تاهت وسط زحام حفلات التأييد العارمة!!
الجدل الذى دار بين الفريقين المؤيد والمعارض على صفحات التواصل الاجتماعى كشف عن عمق المأساة التى تعيشها الجماعة!
طوال الوقت تقول الجماعة إنها لن تتخلى أبدا عن عودة محمد مرسى رئيسا للجمهورية!، وفجأة اكتشفنا أن ذلك ليس هو حقيقة موقف غالبية انصار الجماعة المعلن، بل مجرد شعارات تدغدغ بها مشاعر انصارها البسطاء.
أحد الكوادر الإخوانية كتب على صفحته مطالبا اعضاء الجماعة بدعم عنان وقال: «الوقوف بجانب عنان ليس خيانة لمحمد مرسى بل محاولة لإنقاذه، اعتبروها مرحلة انتقالية نستعيد فيها أنفاسنا التى قطعت، العبوا على المتناقضات، واعملوا على إزاحة النظام الحالى بأى ثمن»!!
اعضاء وكوادر إخوانية كثيرة كررت الامر نفسه، حينما قالوا إنهم يؤيدون عنان فقط لأنه «لا يفل الحديد إلا الحديد»!!
أما يوسف ندا القيادى الإخوانى المعروف فقد كشف أيضا عن الطريقة التى يفكر بها المستوى الأعلى فى الجماعة، حينما حدد شروطا ستة لكى تؤيد الجماعة عنان، كان من بينها شرط طريف وهو أن «يستأذن عنان فى حالة فوزه من الرئيس المنتخب محمد مرسى»!! رغم أن كل أدبيات وشعارات ومواقف الجماعة المعلنة ترفض أى تنازل عن عودة مرسى لكى يكمل فترته الرئاسية!!
إذا كان ذلك هو جوهر مواقف الجماعة، فلماذا لا تصارح قواعدها بالحقيقة، بدلا من أن تبيع لهم الأوهام؟!.لماذا لا يقولون لهم إنهم يعارضون فقط عبدالفتاح السيسى، لأنه أخرجهم من السلطة بعد المظاهرات الجماهيرية الحاشدة فى ٣٠ يونية ٢٠١٣، وأن ما يشغلهم ليس التعددية أو الديمقراطية أو أى شىء، باستثناء العودة للمشهد السياسى، حتى لو كان عبر مرشح ينتمى للمؤسسة العسكرية التى وجهوا لها كل أنواع الانتقادات؟!
سيرد البعض بانتقادى قائلا: ان الجماعة مطاردة ومشتتة فى السجون والمنافى، وليس أمامها إلا اللعب بالأوراق المتاحة، وهى مضطرة لذلك فى كل ما تفعله!
حسنا، فقط كونوا واضحين، واخبروا انصاركم بانكم لستم جماعة ربانية، بل تنظيم يمارس السياسة ويؤمن بأفكار معينة تحتمل الصواب والخطأ!
«كارت عنان» الذى لمع لمدة أيام قليلة، «زغلل» عيون كثيرين، ومنهم غالبية أنصار الجماعة، وكشف عن حقيقة المواقف الفعلية لها، خلافا لما ترفعه من شعارات براقة، لا يصدقها للأسف إلا غالبية أعضائها صغار السن!! هؤلاء لا يريدون أن يصدقوا أن جماعتهم «برجماتية» ويمكنها أن تغير كل مواقعها من أجل هدف واحد وهو العودة للسلطة.
خرج عنان من المشهد الانتخابى بصورة دراماتيكية، لم تخطر على باله مطلقا، وانكشفت معه الكثير من مواقف الجماعة امام انصارها!