السنوات العجاف قد بدأت
توماس فريدمان
آخر تحديث:
الجمعة 26 فبراير 2010 - 9:39 م
بتوقيت القاهرة
جذب انتباهى خبر صغير من تريسى فى كاليفورنيا الأسبوع الماضى. فقد ذكرت محطة سى. بى. إس المحلية أن «على سكان تريسى الآن أن يدفعوا مقابل كل مكالمة لرقم 911 الخاص بخدمة الطوارئ الصحية. غير أنه يوجد خياران أمام السكان. فإما أن يدفعوا رسما طوعيا قدره 48 دولارا فى العام، وهو ما يسمح لهم بالاتصال برقم 911 لأى عدد من المرات، وإما أن يختاروا عدم دفع الرسم السنوى، وهو ما سوف يكلفهم 300 دولار فى كل مرة يجرون المكالمة فيها طلبا للمساعدة.
مرحبا بالسنوات العجاف
نعم سيدى، فقد انتهينا للتو من السنوات السبعين السمان فى أمريكا، بفضل أبناء «الجيل الأعظم» ومنحة الحرية والرخاء التى أعطوها لنا. وخلال تلك السنوات السبعين، كانت القيادة ــ سواء لبلد أو لجامعة أو لشركة أو لولاية أو لجمعية خيرية أو لبلدية ــ معنية بالعطاء من دون مقابل، والبناء من الصفر، وتخفيض الضرائب وإعطاء المنح.
لكن المرء يشعر الآن أننا بصدد الدخول إلى عصر جديد «حيث سيكون الهدف الأكبر للحكومة هو تجريد الناس مما لديهم»، على حد قول مايكل مندلبوم، خبير السياسة الخارجية بجامعة جون هوبكنز.
وفى حقيقة الأمر، أصبحت القيادة اليوم تعنى أنك تحد من النفقات، وتتخلص أو تقلص من الخدمة أو البرنامج أو العاملين. لقد انتقلنا من عصر المنح الحكومية إلى العصر الذى يرد فيه المواطنون ما تلقوه فى السابق؛ انتقلنا من العصر الذى كان المرافقون فيه يسافرون مجانا، إلى العصر الذى يتم فيه دفع رسوم عن كل حقيبة.
دعونا نأمل فحسب ألا تزيد السنوات العجاف على سبع. وسوف يتوقف ذلك علينا إلى حد كبير، وعلى مدى قدرتنا على الارتقاء إلى مستوى التحديات الاقتصادية الراهنة. فقد كان آباؤنا الجيل الأعظم عن حق. لكننا للأسف أصبحنا من نواح عدة ينطبق علينا وصف الكاتب كيرت أندرسون «جيل الجراد النطاط»، نجهز على الرخاء الذى ورثناه كما يفعل الجراد الجائع. والآن نحتاج نحن وأبناؤنا أن نكون «الجيل» الذى يجدد ويحدث وينشط ويعيد بناء أمريكا فى القرن الحادى والعشرين.
وكان من حظ أوباما العسر أن اقترن مجيئه بانتقالنا من السنوات السمان إلى السنوات العجاف. وتتعلق دعوة أوباما بقيادة «الجيل». وبالرغم من أنه يفهم ذلك بوضوح، فإنه لم يعبر عنه بشكل كامل. وفى واقع الأمر، فإن ما يحيرنى أكثر من أى شىء آخر بشأن السيد أوباما هو كيف يعجز رئيس يتمتع بقدرة جيدة جدا على التحدث، ويسعى إلى القيام بالكثير من الأشياء المهمة، عن صياغة خطاب واضح وبسيط يشرح سياساته ــ عندما تكون هذه السياسات واضحة للغاية.
لقد فاز السيد أوباما فى الانتخابات لأنه كان قادرا على «استنفار» عدد مهم من الناخبين المستقلين ــ بما فى ذلك أنماط من رجال الأعمال الجمهوريين ممن لم يصوتوا فى حياتهم لمرشح ديمقراطى قط ــ الذين أدركوا فى قرارة أنفسهم أن البلاد تسير فى الطريق الخطأ، وأنها فى حاجة ماسة إلى بناء الأمة فى الداخل، وأن جون ماكين لم يكن الرجل الذى بوسعه القيام بذلك.
وقد اعتقد هؤلاء أنه بالرغم من السمات الليبرالية للسيد أوباما، فإن لديه مهارات وحساسية وقيما وصوتا فريدا، مما يجعله قادرا على شد هذا البلد بعضه إلى بعض، لأجل برنامج أبوللو الجديد هذا، لا لكى يصعد بنا إلى سطح القمر، بل إلى القرن الحادى والعشرين.
لكن مع الأسف أنه بالرغم من ذلك، فبدلا من أن يجعل السيد أوباما من بناء الأمة فى أمريكا خطابه الجامع، ثم يقوم بعد ذلك تحت هذا العنوان بالإصلاح فى مجالات الصحة والتعليم والطاقة، وتعزيز البنية الأساسية والتنافسية وتخفيض عجز الموازنة، فقد سعى إلى تحقيق كل هدف على حدة. والنتيجة أن كلا من هذه المبادرات تبدو وكأنها هوس ليبرالى منعزل، من أجل سداد المستحقات لجمهور الديمقراطيين ــ لا كعنصر أساسى فى استراتيجية بناء الأمة ــ وهو ما جعل من السهل وضع العقبات فى وجه هذه البرامج، أو انتقاء البعض منها فقط، أو قيام المعارضين وجماعات الضغط بالحيلولة دون إكسابها المشروعية.
ومن ثم فإن «الأوبامية» تبدو فى أسوأ الأحوال كخليط غير متجانس، وفى أفضلها قائمة أعمال ــ أصبحت خاضعة أكثر من اللازم لهيمنة الرعاية الصحية، بدلا من الابتكار والوظائف. غير أنها لا تبدو بأى حال كمشروع ملهم، يمكن أن يدفع قدما إمكانات العظمة لدى أمريكا وهى الإمكانات التى لا تزال واسعة.
لكنه لاشك فى أن تولى منصب الرئاسة فى مطلع السنوات العجاف ليس بالأمر الهين. ذلك أن الرئيس يحتاج إلى إقناع البلاد بأن تستثمر فى المستقبل وأن تدفع ثمن تبذير الماضى فى ذات الوقت. فيجب علينا أن ندفع أكثر من أى وقت مضى لإقامة مدارس وبنية تحتية جديدة، فى الوقت الذى نقبل فيه القيام بتقليص برامج الاستحقاق أكثر من أى وقت مضى، فى وقت أصبحت فيه الثقة فى الحكومة أدنى منها فى أى وقت مضى.
ولعل الأمر الأساسى هنا هو أن الحزب الجمهورى أصبح يفتقر إلى الشعور بالمسئولية أكثر من أى وقت مضى. فبينما ساعد هذا الحزب على بلوغ عجز الميزانية مستويات هائلة خلال سنوات بوش، فهو ليس على استعداد الآن لتحمل أى مسئولية فى معالجة هذه المشكلة، إذا كان ذلك سوف يتضمن زيادة الضرائب. وفى الوقت نفسه، فإن صعود تليفزيونات الكيبل حول السياسة فى بلدنا إلى مجرد رياضة للمشجعين، مثلها مثل العروض التى يقوم بها نجوم المصارعة. فقد أصبحت قناة سى سبان الإخبارية هى نفسها قناة إى إس بى إن الرياضية، لكن فى ظل وجود فريقين فقط. ذلك أننا نشاهد القناة من أجل الترفيه، لا من أجل التوصل إلى حلول.
وبالرغم من أن قيام الرئيس بترديد خطاب أكثر إقناعا سوف يساعد كثيرا بلا شك، فإنه ليست لدى أى أوهام حول قدرة هذا الخطاب وحده على حل جميع مشكلات أوباما ومشكلاتنا. وهنا جاء دورنا: علينا أن نطالب السياسيين لدينا بإظهار الحقيقة، وأن نكون على استعداد لقبولها. فنحن ببساطة ليست لدينا فترة رئاسية أخرى لنضيعها. وليس هناك المزيد من السنوات السمان كى نجهز عليها. وإذا فشل أوباما، فسوف نفشل جميعا.