درس من العراق لأفغانستان

محمد السماك
محمد السماك

آخر تحديث: الأحد 26 فبراير 2012 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

يوجد فى أفغانستان 90 ألف جندى أمريكى إضافة إلى 40 ألف جندى من دول أخرى أعضاء فى حلف شمال الأطلسى. تبلغ نفقات الجندى الواحد سنويا مليون دولار. وفى العام الماضى 2011 وحده، بلغت نفقات القوات الأمريكية فى أفغانستان 119 مليار دولار.

 

من هنا السؤال: ما هى الانجازات التى حققتها هذه القوات؟ وهل تستطيع الدول المشاركة فيها تحمّل المزيد من الأعباء المالية؟ وهل تستطيع أن تتحمل سقوط المزيد من القتلى بين جنودها؟ ومقابل ماذا؟.

 

●●●

 

تستعد الولايات المتحدة لانتخابات رئاسية جديدة فى نوفمبر ــ تشرين الثانى 2012. ولكن إذا استمر الاستنزاف المالى والبشرى فى أفغانستان فإنه من الصعب جدا، إن لم يكن من المستحيل، توقع عودة الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض. لقد فاز أوباما بالرئاسة على قاعدة الالتزام بإنهاء احتلال العراق وسحب القوات الأمريكية منه. وقد حقق ذلك بالفعل، الأمر الذى يجعله قادرا على توظيف ذلك فى الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن الرأى العام الأمريكى لم يعد يطيق صبرا على استمرار الاستنزاف فى أفغانستان ؛ خاصة ان الاقتصاد الأمريكى ينوء تحت أكبر دين فى تاريخه، وتحت أعلى نسبة من البطالة.

 

كذلك تستعد فرنسا لانتخابات رئاسية جديدة فى الصيف القادم. ويعانى الرئيس نيقولا ساركوزى من تراجع حاد فى شعبيته، الأمر الذى يلقى علامات استفهام كبيرة حول ما إذا كان قادرا على أن يحقق معجزة العودة إلى الرئاسة مرة ثانية. وكما فعل الرئيس أوباما أثناء الانتخابات الرئاسية فى عام 2008، فإن المرشح الاشتراكى فرانسوا هولاند المنافس للرئيس ساركوزى ألزم نفسه بسحب القوات الفرنسية من أفغانستان إذا ما فاز بالرئاسة. ثم إن الاقتصاد الفرنسى ليس فى حال أفضل كثيرا من حال الاقتصاد الأمريكى، ولذلك فإن الانسحاب من أفغانستان يلقى هوى فى نفوس الأغلبية الساحقة من الفرنسيين.

 

وإذا سحبت فرنسا قواتها، فإنه من المؤكد أن تسارع الدول الأخرى إلى سحب قواتها أيضا، الأمر الذى يعنى عمليا انتهاء الدور العسكرى لحلف شمال الأطلسى فى أفغانستان. غير أن مهمة الحلف هناك لا تنتهى باستمرار حركة طالبان، وباستمرار تهديدها الجدى باستعادة مقاليد الأمور مرة جديدة.

 

●●●

 

فى عام 1989، أى قبل 25 عاما، واجه الاتحاد السوفييتى السابق الحالة ذاتها. لم تكن الحرب فى أفغانستان تلقى أى شعبية لدى الرأى العام الروسى. كان هناك شعور بأن الحرب تستنزف الكرملين ماديا وبشريا ومعنويا. وهو الشعور ذاته الذى يخيم على البيت الأبيض فى واشنطن، وعلى الكى دورسيه فى باريس، وعلى عواصم دول حلف الأطلسى كافة، خاصة أن إنجازات الحرب لا تعوض عن نفقاتها البشرية والمادية الباهظة.

 

وتحت ضغوط المعارضات الداخلية (التى تصاعدت وتيرتها فيما بعد إلى حد سقوط الاتحاد السوفييتى) بادر الكرملين إلى سحب قواته. وهى الضغوط ذاتها التى تدفع البيت الأبيض إلى سحب قواته أيضا.. وحتى قبل الموعد المحدد لذلك بثمانية عشر شهرا.

 

فى عام 2014 يفترض أن تجرى فى أفغانستان انتخابات رئاسية جديدة. من حيث المبدأ لا يجوز دستوريا للرئيس الحالى حامد كرزاى أن يكون أحد المرشحين، وذلك لأن الدستور ينص على انه لا يحق للرئيس أن يترشح لولاية ثالثة. وتنتهى الولاية الثانية لكرزاى فى العام 2014. وهذا يعنى أن وجها أفغانيا جديدا سوف يطلّ على العالم من كابول. فما هى طبيعة هذا الوجه؟ وهل يمكن أن يكون طالبانيا؟

 

هناك ثلاثة مؤشرات توحى بأنه ليس من الضرورى أن يكون الجواب على هذا التساؤل سلبيا. وهذه المؤشرات هى:

 

أولا: استمرار حضور حركة طالبان فى الحياة الأفغانية خاصة فى الأقاليم الجنوبية والشرقية. واستمرار عملياتها العسكرية حتى فى قلب كابول.

 

ثانيا: استمرار الدعم غير المباشر الذى تلقاه طالبان من الباكستان، ولو سرا وتحت الطاولة، الأمر الذى أثار غضب القيادة العسكرية والسياسية الأمريكية.

 

ثالثا: اضطرار البيت الأبيض إلى فتح قنوات اتصال وحوار مع طالبان. ومن أجل تسهيل هذه العملية جرى افتتاح مكتب لحركة طالبان فى قطر. وتقف المحادثات السرية بين الأمريكيين وطالبان أمام عقدة رئيسة. وهى أيهما يأتى أولا، الاتفاق أو الانسحاب؟ تشترط طالبان الانسحاب أولا. وترد واشنطن بالتفاوض أولا.

 

والواقع أن لا حركة طالبان تثق بالوعود الأمريكية، ولا الأمريكيين المستعجلين للانسحاب يطمئنون إلى عدم انقلاب طالبان على التفاهمات المتعلقة بمرحلة ما بعد الانسحاب. ولذلك يبدو الوضع أشبه بعملية «عض الأصابع».

 

لقد صمدت طالبان منذ الغزو الأمريكى لأفغانستان فى عام 2001. ومن الواضح انها قادرة على تحمّل المزيد. غير انه لا الولايات المتحدة ولا دول حلف شمال الأطلسى قادرة شعبيا وماليا على تحمّل المزيد من الضغوط ومن الاستنزاف. تدرك طالبان هذه الحقيقة بوجهيها، ولذلك فإنها لا تبدى تهافتا على التفاوض مع الولايات المتحدة. الأمر الذى يعيد إلى الأذهان السيناريو الذى أدى إلى المفاوضات الأمريكية مع حركة «الفيتكونغ» من أجل إنهاء الحرب الفيتنامية وتمكين القوات الأمريكية من انسحاب مشرف. وقد انهيت الحرب فعلا. وانسحبت القوات الأمريكية فعلا. ولكن الحادث الشهير على سطح السفارة الأمريكية فى سايغون لا يوحى بأن الانسحاب كان مشرفا. ولا شك فى أن آخر ما تتصوره القوات الأمريكية فى أفغانستان هو أن تضطر إلى إجلاء طاقم السفارة الأمريكية فى كابول على متن طوافة عسكرية مذعورة.

 

●●●

 

أيا كان أسلوب الانسحاب العسكرى الأمريكى من أفغانستان، فإن مبدأ الانسحاب لم يعد موضع بحث. البحث يتعلق بالتوقيت فقط وبالإخراج. فقد انسحب الروس دون تفاهم. وانسحب الانجليز دون اتفاق. ويبدو أن الانسحاب الأمريكى قد يتم من دون تفاهم ولا اتفاق.

 

مع ذلك، لم يعد سرا أن الولايات المتحدة تحاول أن تجعل من أفغانستان عراقا ثانيا، وذلك من خلال نسف الجسور بين مكوناته القبلية والمذهبية، وإثارة الفتنة الداخلية بين هذه المكونات حتى تنشغل أفغانستان بمشاكلها الداخلية. وتعتقد الولايات المتحدة أن من شأن ذلك استنزاف حركة طالبان وإغراقها فى وحول الانقسامات الداخلية من جهة، وفى وحول الصراع مع باكستان فى الشرق من جهة ثانية، ومع ايران فى الغرب من جهة ثالثة.

 

فهل يتعلم الأفغان من التجربة العراقية المرّة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved