كيان البرادعى

وائل قنديل
وائل قنديل

آخر تحديث: الأحد 26 فبراير 2012 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

عندما قرر الدكتور محمد البرادعى ألا يواصل المشاركة فى سباق الانتخابات الرئاسية العبثية، كنت أول من طالبه بحزمة تعويضات سياسية تنقذ تيارا عريضا من المتحمسين لمشروعه من عاصفة من الإحباط استبدت بهم مع إعلان هذا القرار.

 

وتحت عنوان «مفيش رجوع يا برادعى» كتبت بتاريخ 16 يناير الماضى «ويقينا فإن قرار البرادعى بنفض يديه من هذه المهزلة قد أصاب قطاعا هائلا من محبيه ومؤيدى أفكاره بنوع من الإحباط وخيبة الأمل، وهو ما يفرض عليه التقدم بحزمة تعويضات للذين أودعوا كل مدخراتهم من أحلام التغيير الحقيقى فى شخصه ومشروعه الفكرى والسياسى، بمعنى أن يكون ابتعاده عن معركة انتخابات الرئاسة اقترابا واشتباكا أكثر فى المعركة الأهم وهى استكمال هذه الثورة وإنقاذها من سيناريوهات التفكيك والبعثرة والإجهاض».

 

ويوم الخميس الماضى كان الموعد بين البرادعى ومجموعة من الشخصيات الوطنية وشباب الثورة من مختلف الاتجاهات، فى خطوة تأخرت بعض الشىء للتداول فيما يحفظ لهذه الثورة قدرتها على الصمود فى مواجهة أشرس محاولات الالتهام والمحو، ويعفى قواها الحقيقية من مصير التشرذم والتفتت والانسحاق تحت وطأة الأمر الواقع، بكل بؤسه وقتامته وعتامته.

 

كان الحماس مشتعلا فى الصدور للبدء فورا فى إطلاق بناء سياسى جديد جامع مانع بلغة المنطق، جامع لكل القوى الوطنية المؤمنة بالثورة وجدارتها بإكمال المشوار وصولا لتحقيق حلم التغيير، بمفهومه الناصع الساطع، كما بلورته دماء الشهداء وتضحيات الجرحى والمصابين.. ومانع لنمو بذور الإحباط والإحساس باللاجدوى، التى يجرى نثرها بدقة متناهية فى تربة المجتمع المصرى الآن، بهدف تحويل الثورة من حلم وطنى كبير بمصر جديدة، إلى مجرد حركة معارضة يتم حصارها إعلاميا وأمنيا تمهيدا لتوجيه ضربة قاضية لها.

 

وعليه فإنه فى هذه اللحظة الملتهبة يصبح نوعا من الترف الحديث عن مجرد «كيان» سياسى دون تحديد هويته وشكله ومحتواه وآلياته، ذلك أنك فى مواجهة واقع يجرى تكريسه وفرضه بإيقاع شديد السرعة، لا تملك رفاهية التجريد والإبهام، باستخدام مفردات فضفاضة، تشى أكثر مما تقول، وتلمح أكثر مما تصرح.

 

ولذا فإن المطلوب من وجهة نظر متواضعة ليس أقل من حزب سياسى يضم تيارا عريضا من كافة التيارات والقوى السياسية التى اصطفت خلف مشروع محمد البرادعى حين دخل معترك السياسة المصرية عام 2009 مطلقا صيحته الشهيرة «آن وقت التغيير»، وهى الصيحة التى تعامل معها نظام مبارك باستخفاف وابتذال لا حدود لهما، لكنها تجسدت على أرض الواقع فى تيار مصرى جارف استوعب مختلف الأطراف والأطياف وتمدد أفقيا، وتعمق رأسيا، مقلبا التربة المصرية لتخرج أفضل وأجمل ما فيها، وينتهى المطاف بجوهرة غالية اسمها ثورة 25 يناير التى اجتثت شجرة الاستبداد والفساد.

 

وإذا كانوا قد نجحوا جزئيا فى تشويه الثورة، وتفريغها من محتواها الحضارى والاجتماعى الجميل، فإنه يصبح واجبا على الجميع الآن استعادة تلك الحالة العبقرية من الاصطفاف والتوحد والارتقاء فوق الاختلافات الثانوية الصغيرة، وصولا للاحتشاد مرة أخرى وراء قيم الوطنية المصرية الحقيقية، قبل أن يبتلعنا الطوفان.

 

وأزعم أننا نستطيع، وننتظر صافرة الانطلاق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved