الحساب الصحيح
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 26 فبراير 2014 - 5:25 ص
بتوقيت القاهرة
استوقفنى أمس الأول مواطن مبتهجا باستقالة حكومة حازم الببلاوى، واصفا رئيسها بالطابور الخامس، والعمالة للإخوان المسلمين. وأردف قائلا: لو أعلن منذ البداية أن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لما وصلنا إلى هذا الحال. بالمناسبة صاحب هذا الرأى يحمل شهادة جامعية، لكنه يعانى، مثل كثيرين غيره، من عدم القدرة على تقييم الأمور نتيجة حالة التشوش التى يصنعها الإعلام.
بالتأكيد يشكل الإخوان المسلمين معضلة حقيقية، وتقدم حكومة الببلاوى نموذجا للفشل فى إدارة الملف السياسى، لكن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التى تعانى منها مصر بعيدة الجذور، ولا يملك أى رئيس أو حكومة عصا سحريا لحلها، ومشاعر السخط من أداء حكومة الببلاوى، هى ذات المشاعر التى شيعت بها الجماهير حكومة عصام شرف، وبالتأكيد حكومة هشام قنديل. ينبغى أن يعرف المواطن المصرى الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية على حقيقتها بدلا من أن تتحول الحكومات المتعاقبة إلى «كبش فداء»، تأتى، تصطدم بالأوضاع، ترتبك، تفشل حينا وتتقدم أحيانا، التوقعات ترتفع والمنجزات محدودة، مما يؤدى إلى تهاوى شعبيتها. بالطبع تختلف الحكومات فى أدائها، ودرجة استجابتها للتحديات التى تواجهها، لكن الواقع معقد، ويحتاج إلى تفكيك لفهم أبعاده.
يعانى الاقتصاد من أزمة جوهرية. أعباؤه أكثر بكثير من الموارد المتاحة. ملامح الأزمة تتمثل فى العجز المتراكم فى الموازنة العامة، انكماش معدل النمو إلى أقل من 2% سنويا، انخفاض الاستثمارات الأجنبية إلى الثلث تقريبا عما كانت عليه عام 2010م، ارتفاع معدلات البطالة، وتزايد رقعة الفقر، تواضع عوائد السياحة، مما يجعل الاقتصاد دائما فى احتياج إلى النقد الأجنبى الذى يستخدم فى استيراد الاحتياجات الأساسية من قمح ومنتجات بترولية وغيرها، والذى تعرض بدوره إلى الانكماش الشديد فى السنوات الثلاث الماضية، يضاف إلى ذلك ضعف دولة القانون وترهل الجهاز الإدارى ولجوء الحكومات المتعاقبة إلى مسكنات وقتية فى شكل تعيين عمالة لا يحتاج إليها العمل، صرف حوافز، الخ.
الحل ــ الذى لا مفر منه ــ هو زيادة الإنتاج، تقليل الواردات، وزيادة الصادرات، إطلاق مشروعات اقتصادية تستوعب المتعطلين من الشباب، مما يؤدى تدريجيا إلى رفع معدل النمو إلى ما يزيد على 5% مثلما كان الحال عليه فى أواخر عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك. فى السنوات الثلاث الماضية أدى الاستقطاب السياسى، وضعف الأمن، وعدم استقرار المؤسسات السياسية، وتفجر الاحتجاجات الفئوية إلى تعقيد الأزمة الاقتصادية فى المجتمع، والاعتماد المفرط والمكثف على الدعم الخارجى ليس لإقامة مشروعات اقتصادية، ولكن لسد عجز الموازنة العامة. وهو الأمر الذى يجعل الأزمة مستمرة، تزداد تعقيدا، ولولا الدعم الخليجى المكثف الذى تمتع به الاقتصاد المصرى عقب 3 يوليو الماضى لما استطاعت الحكومة أن تسد الاحتياجات الأساسية خلال الشهور الماضية.
هذه هى الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التى لا يملك رئيس الحكومة حلها. هذا ليس دفاعا عن حكومة الببلاوى، التى كانت ــ فى رأيى ــ ضعيفة، مهتزة، بعض وزرائها ليس لديهم خبرات إدارية وسياسية، ولكن التقييم الموضوعى يقتضى معرفة ما كان فى إمكان هذه الحكومة أن تفعله، ماذا حققت؟ وفى أى المجالات أخفقت؟ وليس من الإنصاف أن نعتبر هذه الحكومة «أس البلاء»، ونطاردها بالاتهامات التى تشكل فى ذاتها تطلعات مرتفعة تبدأ بها الحكومة الجديدة عملها.