للإبداع شروط
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 11:45 م
بتوقيت القاهرة
يسعد المجتمع بكل شخص مصرى يبدع فى الخارج، وينال تكريما واحتفاء. فى بعض الأحيان يسمع المصريون عن اسم يلمع، يتعلقون به، ويتحدثون عنه، ويسعدون بانتسابهم له. نجيب محفوظ، مجدى يعقوب، أحمد زويل، هانى عازر، دينا باول، محمد صلاح، رامى مالك، أحمد وليد، إلخ. بعضهم كانوا معروفين بإبداعهم، وبعضهم لم يكن المجتمع يعرفهم بالدرجة الكافية قبل أن يبزغ نجمهم دوليا. المصريون عاطفيون، يحبون الآن فريق «ليفربول» لوجود محمد صلاح فيه، إلى حد أن حجم عشاقه وجمهوره فى مصر أكبر من بريطانيا نفسها. يكفى أن تتجول الشوارع وقت المباريات التى يلعبها «ليفربول» حتى تجد المقاهى مكتظة، لا كرسى شاغر فيها، و«مو صلاح» يحتل هتاف وتصفيق وآهات الناس. اللافت للنظر أن المصريين الذين بزغوا خارجها يحرصون على التأكيد على مصريتهم، دون الاكتفاء بالهالة العالمية التى تلازمهم. وطبيعى أن نسأل، والسؤال هنا حتى نتدبر أمرنا وليس بهدف الشعور بالنقص، لماذا يبدع هؤلاء فى الخارج، ولا يجدون نفس فرصة الإبداع داخل وطنهم؟.
قد يكون السبب أنهم عاشوا فى الخارج، وكان مجال إبداعهم هناك. ولكن الغالب أن المجتمع الخارجى احتضنهم، وقدم لهم ما ساعد على تفجير طاقات الإبداع داخلهم أكثر مما قدمه لهم المجتمع المصرى. للإبداع أسباب ومحفزات متى وجدت يبدع الشخص، ومتى غابت ينحدر مستواه، القضية ليست داخل أو خارج، ولكن الأهم هو توفير أسباب الإبداع. أهمها احترام الموهبة، وعدم تكسير الطاقات الصاعدة تحت مزاعم شتى، والابتعاد عن الموالسة والمجاملات لأشخاص محدودى الموهبة والكفاءة على حساب أصحاب الكفاءات، وتوفير أوجه الدعم المادى، والكف عن صراع الأجيال الذى يعيق اندلاع مواهب شابة، والترتيبات المؤسسية الضاغطة، والتى لا تتمتع خلالها المؤسسات بالمرونة الكافية فى فتح المنافذ أمام المبدعين الشباب، وكذلك ضعف منسوب الحرية فى العمل فى بعض المجالات، مثلما الحال فى ميدان البحث العلمى، الذى يواجه تحديات كثيرة، بعضها يمكن تفهمه فى ضوء الظروف التى يمر بها المجتمع، وبعضها يصعب تقبله، ويكشف فى بعض الأحيان عن رغبة فى فرض قيود على البحث العلمى على اعتبار أنه عديم الجدوى.
يجب أن نتذكر جيدا من خبرة الشعوب..
المجتمع الطارد ليس فقط اقتصاديا، بمعنى أن تضيق فيه الفرص الاقتصادية، ولكن أيضا تنكمش فيه الفرص الإبداعية. إذا أردنا أن تتفجر ينابيع الإبداع فى المجتمع أسوة بما يحدث فى مجتمعات متقدمة ينبغى رعاية المبدعين فى مؤسسات التعليم والبحث العلمى، وتوفير مجالات عمل لهم، ورعايتهم.
المجتمع المستقبل ليس فقط اقتصاديا، بمعنى أن يوفر فرص عمل واستثمار للناس، ولكن أيضا يسمح بالابتكار، والانطلاق بلا قيود أو عوائق بيروقراطية، ودون تمكين أصحاب العقول المغلقة من قطع الطريق أمام المبدعين، أو تصميم المؤسسات على نحو يجعل النمطية أساسا، والإبداع استثناء.