الصوت العالى.. عالى

غادة عبد العال
غادة عبد العال

آخر تحديث: السبت 26 مارس 2011 - 9:39 ص بتوقيت القاهرة

فى البداية أحب أن أوضح لك عزيزى القارئ أن عنوان المقال ليس مقتبسا من الكتاب الأخضر للقذافى.. على الرغم من احتواء الكتاب الأخضر على العديد من المعلومات التى تستحق الاقتباس كإثبات حقيقة علمية مفادها أن الرجل ذكر والمرأة أنثى وأنه بما أن التونسيين سموا بهذا الاسم لأنهم يعيشون فى تونس والمصريون سموا بهذا الاسم لأنهم يعيشون فى مصر فقد اضطر الأخ العقيد مجبرا أن يطلق على شعبه الليبيين لأنهم يالهول المفاجأة يعيشون فى ليبيا. العنوان أيضا ليس بيتا من أبيات أغنية حمادة هلال المؤثرة التى يطالعنا مذهبها ببيت حزين يقول (شهداء 25 يناير) ليفاجئنا فى البيت الثانى بمفاجأة مدهشة وهى أنهم (ماتوا فى أحداث يناير) ويبشرنا بعد انتهاء الأغنية أننا نستطيع أن نحملها على تليفوناتنا.

رحم الله الشهداء الذين ارتاحوا من عالم يستغل ذكراهم فى بيع رنات المحمول، العنوان ببساطة يشرح لنا الحقيقة الواضحة أمام أعيننا حاليا، من أول أيام الثورة واحنا شايفين المبدأ ده بيتحقق قدامنا كل يوم.. الصوت العالى بيتسمع ويؤثر ويدفع الأمور عشان تتطور وتتحرك ويتسبب فى مطالب كتير إنها تتحقق وفى مؤسسات كتير اقتربت من مرحلة العفن واتغطت بالكامل بخيوط العنكبوت دلوقتى بتتغير وبتلبس ثوب جديد، عشان كده كلنا لومنا نفسنا بعد 25 يناير وسألنا بعض إحنا ليه كنا ساكتين، وليه ما عليناش صوتنا من زمان بعد ما اتضح لنا إن أسهل حاجة فى الدنيا إنك تسقط رئيس طاغية.. فقط تعلى صوتك وتصرخ وهنا الصوت العالى بيبقى عالى على حق، ثم دخلنا فى مرحلة النقاش والاختلاف، انقسم الجميع لفئتين، خلاص؟ والا لسه؟

ناس زهقت من ضيق العيش وخايفين من مستقبل بالنسبة لهم مجهول وناس مصممين يكملوا المشوار للآخر والطرفان كل واحد فيهم متأكد إنه على حق فدخل الطرفان فى مرحلة تانية من مرحلة الصوت العالى.. كل فريق بيعلى صوته على أد ما يقدر ويرمى الاتهامات على الطرف التانى.. عملاء مخربين.. أغبياء متخلفين.. وهكذا دخلت مصر كلها فى مرحلة خسر بسببها الكثيرون أصدقاء عمر بسبب عدم قدرتنا على الاختلاف فى الرأى بشكل محترم، دخلنا بعدها على مرحلة جديدة من مراحل الصوت العالى وهى مرحلة المطالب الفئوية.. على صوتك على قد ما تقدر هتتعين أو مرتبك هيزيد.. كل المطالبين شايفين إنها فرصة ولازم يتم استغلالها.. دون النظر لغير مصلحتهم الشخصية.. بعض منهم معذورون والبعض الآخر مستغلون.. لكن فى النهاية الكل بيستخدم الطريقة المفضلة فى مصر الآن.. الصوت العالى.. على شاشات التليفزيون شفنا برضه مثال واضح لاعتناق ديانة الصوت العالى اللى كان من المبشرين بيها لسنين طويلة المستشار مرتضى منصور، فانضم أدباء ومثقفون وسياسيون لمدرسة تعلية الصوت والمقاطعة بشكل مستمر لفرض الرأى أو لإحراج من يتناقشون معه دون انتظار لسماع رده حتى من باب إمكانية استخدامه ضده.. المهم صوتى أنا يتسمع وهو لا ينال أى فرصة يقول فيها رأيه وبكده أبقى أنا الكسبان.

الآن ندخل فى مرحلة أخرى مرعبة، الصوت العالى لنيل مطالب طائفية. بدأها الأقباط ولهم كل الحق فى الغضب بسبب موضوع كنيسة أطفيح، وأراد أن يستغلها البعض الآخر لفتح ملف وفاء وكاميليا مرة أخرى والله أعلم من سيخرج أيضا للمطالبة بماذا مستغلا الوسيلة الأكثر فاعلية فى مصر الآن. حق التظاهر السلمى بالطبع مكفول للجميع، والصوت العالى من أهم عناصر أى مظاهرة لأى مجموعة لتطالب بحقوقها وهى مرحلة مستمرة استمرار وجود الديمقراطية فى أى بلد، فقط لا أتمنى أن تكون هى الوسيلة الوحيدة التى يؤمن بها الجميع، ولهذا باحلم بيوم نبقى مش محتاجين نستخدم فيه الصوت العالى لإسقاط رئيس أو حكومة وإنما يتم فرض إرادتنا عن طريق البرلمان، لما نبقى مش محتاجين ثورة عشان نحاسب أيا من الفاسدين ويبقى كافى إنك تقدم بلاغ بالمستندات فى مكتب النائب العام، لما ما نبقاش محتاجين نعمل اعتصام لتحقيق مطالب فئوية أو طائفية، وكل شىء يتحقق عن طريق الجهات الرقابية ولجان التظلمات والمحكمة والمجلس والنيابة وصندوق الانتخاب، باحلم وحتى يتحقق الحلم ما فيش لينا سند إلا الله وما فيش فى إيدينا وسيلة إلا الصوت العالى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved