المجتمع فى المحكمة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 26 مارس 2014 - 6:35 ص
بتوقيت القاهرة
إذا تتبع شخص «الخبر الرئيسى» فى وسائل الإعلام عقب ثورة 25 يناير، وبالتحديد فى الشهور الأخيرة، سيجده يدور حول «المحاكمة» أى محاكمة فاسدين أو قتلة متظاهرين أو مرتكبى أعمال عنف، يرافق ذلك نشر التحقيقات المطولة، والروايات والتسريبات بشأن أدلة الإثبات، وأقوال الشهود... إلخ. وسائل الإعلام لا تعمل فى فراغ، هناك فائض محاكمات الآن. وبدلا من أن يحاكم رموز نظام، أصبح لدينا نظامان تجرى محاكمتهما، وسط مطالبات عديدة بالعدالة الناجزة، القصاص، والانتصار لدماء الشهداء، ومعاقبة مرتكبى العنف. وإذا صدر حكم قضائى ــ بالتأكيد لن يرضى الكل ــ سادت حالة من العراك الإعلامى، بين مؤيد ومعارض، فرح وغاضب، رغم أن الكل يبدأ حديثه بالعبارة المشهورة «لا نريد التعليق على أحكام القضاء».
المجتمع المصرى ليس كله فى المحكمة، ومصيره لا ينتظر حكم القاضى، بل مستقبله فى مياه النيل، البحث العلمى، تطوير التعليم، تقديم الخدمات الصحية اللائقة للمواطنين، التصدى للمشكلات البيئية، مواجهة حالة الانفلات السلوكى، وبناء أسس المجتمع الديمقراطى، وإعادة إصلاح المؤسسات العامة، يضاف إلى ذلك المأزق الاقتصادى الذى يعانى منه المجتمع، والذى يحتاج الخروج منه إلى سياسات واضحة، ومسئولية فى التطبيق، وإدراك بحجم التحدى.
المجتمع فى المحكمة، والناس تلتف حول المحكمة تتعارك، وتتجادل، وبعض مما يتداوله البعض فى عراكهم يقوض شيئا فشيئا مفهوم «العدالة فى المجتمع»، سواء تلك التى تطالب بالقصاص خارج القانون، أو المحاكمات الناجزة فى أيام معدودات، كما لو أن الكل يريد أن يجلس على مقعد القاضى، ويصدر الأحكام بدلا منه. صحيح أن هناك «عدالة بطيئة» فى مصر، ليس فقط فى محاكمات اليوم، ولكن فى مناحٍ عديدة نعرفها منذ عقود، ولكن أليس ذلك دافعا لنقاش حول تطوير مؤسسات العدالة؟
كم يكون مهما لبناء دولة القانون ــ الدولة الديمقراطية التنموية الحديثة، أن ينصرف النقاش العام إلى قضايا مهمة من قبيل بناء مؤسسات العدالة الناجزة، ترسيخ حقوق المواطن، تيسير إجراءات التقاضى، إعادة النظر فى التشريعات التى لم تعد ملائمة، وكذا مراجعة الإجراءات التى عفا عليها الزمن. هذه هى ذهنية المجتمع الذى يريد أن يتقدم بعيدا عن ذهنية العراك السياسى، التى لا تعرف لغة علمية، أو فكرا للتقدم أو حوارا من أجل المستقبل، فقط العراك، والشجار، والاستقطاب.
من يتأمل النقاش العام فى المجتمع يصل إلى نتيجة أن هذه ليست هى النخبة التى من الممكن أن تقود المجتمع إلى الأمام، وهذا ليس هو الخطاب الإعلامى الذى يمكن أن يدفع المجتمع إلى التقدم، هناك حاجة إلى فكر جديد، وإعلام جديد يسعى إلى بناء الدولة ــ مشروعات وأفكار وبرامج لتغيير نوعية حياة المواطن، هذا هو جوهر «الثورة» فى رأيى، بدلا من أن يصبح النقاش العام حبيس ما يجرى فى المحاكم من نظام مبارك إلى الإخوان المسلمين. هل نحن نحاكم القتلة والفاسدين فقط، ولا نعرف كيف نفكر فى المستقبل؟ كم أمضينا شهورا مهمة فى أحاديث المحاكمات والفساد والمشاجرات السياسية، ولا زلنا فى نفس الحالة، ولم نول قضايا جادة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية حقها فى النقاش؟. ألمح فى أحاديث المواطنين انصرافا تدريجيا عن برامج «الإعلام»، واصطفافا منظما أمام مباريات كرة القدم الأجنبية.