الحرب والسلام فى صفقة القرن
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 مارس 2019 - 1:35 ص
بتوقيت القاهرة
خلطة سياسية معجونة بالأساطير والخزعبلات والنبوءات الدينية تحركها أطماع استعمارية، تقف خلف تحركات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لفرض ما يسمى بـ«صفقة القرن» على شعوب المنطقة، والمنتظر الإعلان عن تفاصيلها بعد فوز رئيس بنيامين نتنياهو المتوقع فى الانتخابات النيابية الشهر المقبل فى إسرائيل.
عند الكثير من فرق البروتستانت وفى القلب منهم طائفة الانجيليين فى أمريكا، ستشهد منطقة تل مجدو حربا عالمية عظمى بالأسلحة النووية «هرمجدون»، يشارك فيها أكثر من 200 مليون مقاتل من كل بقاع الأرض، ستنتهى بهزيمة كل أعداء اليهود والمسيحيين، وعودة المسيح عليه السلام إلى الأرض حيث يعم الخير والسلام والمحبة لمدة 1000 عام كاملة تنتهى بقيام الساعة.
أكثر من 60 مليون أمريكى يؤمنون بهذه التفسيرات الدينية لنبوءات الكتاب المقدس، منهم رؤساء جمهورية مثل رونالد ريجان وجورج بوش الابن، لكن الأكثر إثارة هو أن فريقا كبيرا منهم يؤمن إيمانا قاطعا بأنه من الواجب عليهم مساعدة الرب حتى تتحقق مشيئته بإشعال هذه الحرب فى أقرب وقت ممكن، وهو أمر يفرض عليهم مساعدة إسرائيل حتى تنتصر على أعدائها فيها، والتى سيعقبها دخول اليهود إلى المسيحية بعد أن يبدوا ندمهم على ما فعلوه بالمسيح.
اليهود أنفسهم لا يؤمنون بهذه النبوءات، لأن إيمانهم بها يعنى اعترافهم بأن دينهم باطل أو فى أفضل الأحوال قد عفا عليه الزمن، ومع ذلك فإن الحركة الصهيونية ترى أن من مصلحتها مسايرة هذه النبؤات، لأنها تضمن تدفق المساعدات الأمريكية، وهيمنة إسرائيل على الدول العربية، وجرها خلفها لشن حرب على إيران لتجريدها من أى إمكانيات نووية محتملة.
ترامب الذى يسوق صفقته المشبوهة على أنها تستهدف إقرار السلام فى المنطقة، يضع المنطقة كلها فوق بركان لا أحد يعلم متى ستنفجر حممه بالضبط، فهو باعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ثم تأييده لقانون القومية اليهودى الذى يقر بأن إسرائيل دولة يهودية للشعب اليهودى لا حقوق للفلسطينيين فيها، ثم اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، يؤسس لدولة إسرائيل العظمى التى ينبغى أن تكون فى قمة قوتها لمواجهة أعدائها، وأن تكون الدولة الوحيدة المسيطرة على المنطقة، وهو بهذا ــ من وجهة نظره ــ يقرب المسافة من نشوب هذه الحرب التى قد تندلع مع إيران أولا وحلفائها من الدول العربية، لتتورط فيها دول كبرى لتفتح الباب أمام معركة هرمجدون.
خلف هذه الخزعبلات أو النبوءات ــ سمها ما شئت – تقبع مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية لقوى اليمين فى أمريكا، تضاعف أرباحها من مبيعات السلاح، والهيمنة على أسواق النفط والغاز بالمنطقة والتحكم فى أسعارها، فى مواجهة الصين وروسيا، واستغلال عوائد الأرصدة العربية فى بنوكها بالشكل الذى يتراءى لها.
صفقة القرن فى آخر تسريباتها ستحرم الفسلطينيين من دولتهم التى يضمنها لهم القانون الدولى، كل ما ستعطيه لهم مجرد حكم ذاتى فى غزة والضفة مع حرية تنقل الفلسطينيين بينهما وضم الكتل الاستيطانية الكبرى فى الضفة لإسرائيل، وإدارة أردنية فلسطينية إسرائيلية للمسجد الأقصى، واستثمار مليارات الدولارات فى غزة لتحسين حياة الفلسطينيين هناك، وإعطاء تعويضات مجزية للاجئين الفلسطينيين للبقاء فى الدول التى يعيشون فيها، إذا أثبتوا أن لهم أملاكا فى فلسطين، وقبل ذلك كله تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل وتشجيع التعاون بينهما لمواجهة إيران!
لا يوجد مبرر واحد لقبول الحكومات العربية لهذه الصفقة التى ستجعل منها «أضحوكة القرن»، اللهم إلا إذا كانت تعتبر ان إيران أكثر خطرا عليها من إسرائيل، وانه لا بد من خوض الحرب ضدها، وهو أمر لا يستقيم مع العقل والمنطق بل ومع أبسط الحسابات السياسية الرشيدة!