الحاسبات فائقة السرعة سلاح استراتيجى
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 26 مارس 2022 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
هناك قائمة تصدرها مؤسسة مستقلة عن أسرع 500 جهاز كمبيوتر فى العالم وسرعاتها والدول التى تمتلكها وبعض المعلومات التقنية الأخرى عن كل جهاز، يتم تحديث تلك القائمة فى يونيو ونوفمبر من كل عام منذ 1993 وتحوذ على اهتمام المهتمين بتكنولوجيا المعلومات وتصميم الحاسبات ومستخدمى نظم المحاكاة فى العالم لأن هذه الحاسبات والكثير غيرها تسمى الحاسبات فائقة السرعة وتمتاز بالقدرة على عمل مليارات من العمليات الحسابية فى الثانية الواحدة وتخزين كم هائل من المعلومات وتحليلها.
امتلاك عدد من هذه الحاسبات لا يعتبر من القوة الناعمة للدول مثل الفوز فى البطولات الرياضية أو الإنتاج الفنى، بل يعتبر من القوة الخشنة لأن تلك الحاسبات هى سلاح استراتيجى، وهذا ما سنتحدث عنه فى هذا المقال.
هذه الحاسبات لها القدرة على إعطاء الدول المالكة لها تفوق اقتصادى وعلمى وأمنى، وزارة الدفاع الأمريكية على سبيل المثال تصرف الملايين على شراء الكثير من أجهزة الحاسبات فائقة السرعة.
على المستوى الاقتصادى تساعد تلك الأجهزة فى تحليل البيانات الضخمة عن الشركات والبنوك والتنبؤ بارتفاع وانخفاض أسهم معينة وحالة السوق عند حدوث سيناريوهات معينة، أيضا يتم استخدام تلك الأجهزة فى عمليات التصنيع للسيارات والطائرات ومختلف الأجهزة الأخرى، بل والتحكم فى المصانع للوصول إلى أفضل إنتاجية بأقل التكاليف، كما يتم استخدامها فى إدارة موارد الدول مثل الموارد المائية مثلا.
على المستوى العلمى تلك الأجهزة قادرة على عمل تجارب دقيقة جدا تعتمد على المحاكاة لما يحدث فى الطبيعة، فيمكنك مثلا معرفة تأثير مركب كيميائى على الخلايا دون الحاجة إلى التجربة على كائنات حية على الأقل فى البداية.
على المستوى الأمنى يتم استخدام تلك الأجهزة فى تصنيع الأسلحة بدقة شديدة وتساعد على كسر التشفير فى الأجهزة المعادية وعلى تحليل البيانات التى تجمعها جميع أجهزة الدولة عن الدول الأخرى للبحث عن نقاط الضعف وكيفية التأثير على تلك الدول عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى أو ما شابهها، كما تستخدم تلك الأجهزة فى إدارة موارد الجيوش لضمان توفر احتياجات تلك الجيوش فى الوقت المناسب والتنبؤ بحالة الأجهزة المستخدمة وأعطالها وحسن استخدام موارد الجيوش لرفع الكفاءة وتقليل التكاليف.
لكل ذلك تتنافس الدول على بناء أجهزة حاسبات فائقة السرعة لأنها تعتبره سلاحا وليس مجرد رفاهية، إذا تأملنا الدول التى تمتلك أسرع عشرة أجهزة كمبيوتر فى العالم سنجدها لا تخرج عن ثلاثة: أمريكا والصين واليابان، حاليا أسرع كمبيوتر فى العالم تمتلكه اليابان، هذا هو المنشور لكن بالتأكيد أمريكا والصين تمتلكان أجهزة لا يتم إدراجها فى قائمة الأسرع 500 جهاز فى العالم لأسباب تتعلق بالسرية والأمن القوى.
من المهم أن نعرف أنه فى الأغلب الأعم لا يتم تصميم تلك الأجهزة ثم يتم البحث عمن يشتريها أو من يستخدمها، بل إن الشركات المتخصصة فى تصميم تلك الحاسبات فائقة السرعة تتواصل أولا مع من يريد تلك الأجهزة لتتفهم احتياجاته ثم بعد ذلك تبنى الجهاز والذى يكون مصمما خصيصا للقيام بتلك المهمة، طبعا يمكن لهذا الجهاز أن يقوم بمهام أخرى لكنه سيعطى أفضل النتائج فى المجال الذى بُنى أساسا من أجله.
حيث أننا أوضحنا أهمية الحاسبات فائقة السرعة فمن المهم أن يكون لنا باع ولو قصير فى هذا المضمار فى مصر، ولا أعنى أن نمتلك واحدة من تلك الأجهزة الأسرع فى العالم أولا لأنه من المستبعد أن تبيعنا الدول الأخرى أجهزة بتلك السرعة وثانيا لارتفاع ثمنها الأساسى وتكلفة صيانتها والتبريد والطاقة اللازمة إلخ، ثالثا مجرد شرائنا لتلك الأجهزة يجعلنا تحت رحمة الدولة المانحة من حيث قطع الغيار والصيانة إلخ، لكن ما أقصده شيئين: تجميع حاسب فائق السرعة فى مصر بسرعة متوسطة ثم تشجيع الباحثين فى مراكز البحوث والجامعات على الاستفادة منه وبهذا سنكسب عمالة مدربة على تصميم الحاسبات فائقة السرعة وعلى برمجتها أيضا لأن برمجة تلك الأجهزة مختلف بدرجة كبيرة على البرمجة العادية التى يتم تدريسها فى أغلب الجامعات عندنا، وهذه بداية طيبة جدا فى هذا المجال الحيوى والاستراتيجى. هذا يستلزم تعاونا وثيقا بين كليات الحاسبات فى مجال البرمجيات وكليات الهندسة لبناء الجهاز نفسه والشركات ومراكز الأبحاث، بل والوزارات التى من الممكن أن تستفيد من تلك الأجهزة.
مجرد شراء بعض الأجهزة من الخارج لا يكفى لأننا سنكون مجرد مستخدمين لها، لكن تجميع (ثم تصميم فى المستقبل) أجهزة حتى ولو بقدرة أضعف يعطى خبرة أكبر.