مالك مصطفى: للثورة أبناء لم تعرفوهم
وائل قنديل
آخر تحديث:
الجمعة 27 أبريل 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
بدون تقديم هذه كلمات مالك مصطفى:
على الصفوف الأولى.. كان ثابتا لا يتحرك.. حاولت إخباره بأننا لابد أن نكر ونفر لكى نتعبهم.. ولكى نتحاشى آثار الغاز إلى أن نستطيع إشعال أى إطارات أو بلاستيك ليوقف مرور الغاز الينا.. تطلع إلى ان قدمى سليمة وانى استطيع الكر والفر.. اما هو ان تحرك من مكانه لا يستطيع العودة وانه يفضل الاستشهاد هنا.. لم اعرف اسمه ولم يعرف اسمى.. كنا جميعا فردا واحدا خاصة من يستطيعون الركض والتصويب.. ودائما كنت تسمع منا نفس التعليقات «اللى مابيعرفش يحدف، يرجع ورا».. «مش جدعنة انك تحدف طوب وتيجى فى زميلك».. «اللى مابيعرفش يحدف، يولع فى الزبالة أو يكسر طوب».. دائما ستجد احدنا مبتسما محاولا اقناع احد الشباب بالعودة إلى الخلف لأن وجوده غير مفيد بل مضر.. وجوه كثيرة كانت بجوارى أراها صورا الآن بخط اسود فى الزاوية.. واسما مسبوقا بلقب شهيد.. لم يعرفهم الكثيرون.. لم يحتفل بهم احد.. لم ينتبه لما قاموا به قبل استشهادهم الكثير.. لم يعلموا ان ذلك الفتى الذى اخرجنا القنبلة من حنجرته، كان يجمع لنا خشب الأقفاص فى شارع باب اللوق لكى نشعل مصد دخان للغاز.. لم يعرف احد ان سامبو لم يسرق بندقية الغاز بل وجدها عندما فر الأمن المركزى من امامنا ملقيها على الأرض.. لم يعرف كيفية تشغيلها وكان يعمرها بالاحجار.. ونضحك عندما تتفتت الأحجار قبل انطلاقها.
لم يهتم يوما، كما لم اهتم وقتها، بأن نتبادل الاسماء، كان يعرفنى بسماتى الجسدية، وكنت اعرفه بصوته الزاعق، وسرعته المتناهية، كان يضحك مخبرنى ان امثالى مفيدون فقط فى الالتحام المباشر لا فى الكر والفر، إلى ان حملته بعد اصابته وركضت به، حينها اخبرنى انه يمكن ان اكون مفيدا.
«لا تصالح، ولو منحوك الذهب، اترى حينما افقأ عينيك ثم اثبت جوهرتين، اترى؟ هى اشياء لا تشترى..».
عندما يمر الدم من امامك، ومن خلفك، حين تستدر حولك فلا تجد سوى رائحته مختلطة بالغاز المسيل، حين يكون لون يديك احمر قرمزى من كثرة من اصيب حولك، فلا تصالح أو تتفاوض.
لا تسيل كما الثلج من الاعالى إلى اقرب مستنقع سلطة.. فقط لتخبرنى انه لابد من حقن الدماء، كأننا مصابون بلعنة وهب دمائنا للأرصفة والشوارع والمدرجات.
لا تحقر من شأن من ذهبوا، ولا تخبرنى انك تريد العدل، لأن لا عدل تحت ظالم.
إلى نساء الثورة ورجالها، شهدائها واحيائها، ابطالها المجهلين، وابطالهم المنسحبين من ساحات الإفساد، الثورة دائمة بدوامك، الثورة صامدة بصمودكم، الثورة رافعة رأسها برفعتكم.. فترفعوا، ولا تنكسروا أو تضعفوا، فتنكسر.
للثورة أبناء لم تعرفوهم، ولم يهتموا بأن تعرفوهم، وحينما أتت لحظتهم، مضوا بابتسامة، ورأس مرفوعة، وعين غير منكسرة ولا مستعبدة.