ليلى العامرية
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 26 أبريل 2019 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
لا أعتقد أن الكثيرين منا يعرفون أن هناك فيلما مصريا باسم «ليلى العامرية»، من اخراج نيازى مصطفى عام 1948، وبطولة يحيى شاهين وكوكا ومحمود المليجى وأسماء أخرى، والسبب أنه كان ضائعا، كما أن البعض حسبه على السينما فى لبنان وسوريا لمجرد أن اسم الشركة المنتجة هى اللبنانية السورية، ولعل الكثيرين خلط بين اسم الفيلم وأفلام كثيرة تبدأ باسم ليلى، إما من بطولة ليلى مراد أو ليلى فوزى.. ورغم المعلومات المتداخلة عن الفيلم بين الأفلام التى أخرجها المخرج لزوجته، وكانت تدور قصصها فى الصحراء فإنه الفيلم الوحيد فى مسيرة كوكا الذى يحمل اسم ليلى، حبيبة قيس بن الملوح، كما يحكى الفيلم، وقد حملت كوكا دوما أسماء بنات صحراويات أخريات مثل رابحة، عبلة، وبثينة.
وجود الفيلم على اليوتيوب يؤكد أننا فرقنا فى تراثنا الفنى وبعناه بأبخس الأثمان، وأن الأمر يستمر بشكل يثير الخزيان حتى الآن، وأننا حتى الآن لم نتمكن من مشاهدة القوائم الكاملة لأفلامنا، وعمر السينما الروائية فى مصر لم يكتمل القرن بعد، وأن زملاءنا النقاد الذين حولوا السينما إلى احتفاليات وسبوبات، صار علينا محاسبتهم؛ لأنهم لم يفتشوا عن حق فى تاريخنا ولم ينبهونا إلى ذلك الخطر، والفقدان الذى ضاع منا.
لو طالعنا قائمة الأفلام التى قامت كوكا ببطولتها طوال أربعين عاما فمن السهل أن نكتشف أنها لم تعمل مع مخرج آخر بعد زواجهما سوى نيازى مصطفى، باستثناء فيلم واحد هو أيضا فيلم صحراوى عن السيد أحمد البدوي، ولعل ذلك كان من حسن حظها، فالزوج فنان لديه أهميته فى صناعة أفلام بعينها، ومنها أفلام الخدع، وهو الأكثر أهمية فى موضوع السينما الصحراوية، ويبدو أن الأمر كان يتناسب مع كوكا، فهى فى كل هذه الأفلام ترتدى نفس القناع، وتتكلم الحوار نفسه، وتعيش حياة البدو وعاداتهم، أما نيازى مصطفى فهو فى هذا الفيلم يبدو متكاملا، حيث إنه الذى رجع إلى كتاب «الأغانى»، تأليف أبوالفرج الأصفهانى، وأخذ السيناويو عن الكتاب، وكان معه الشاعر بيرم التونسى الذى تخصص أيضا فى كتابة حوارات الأفلام الصحراوية، بما يعنى أن المخرج لم يكن يأمن لأحد آخر ان يساهم معه فى خلق الفيلم، ونحن نعرف أن الانتاج هو الذى كان ينقصه، فمن الواضح أن الملابس والمناظر متشابهة، وأننا دوما أمام قصص حب صحراوية يغلفها المستحيل بكل عاداتها التى تختلف عن الحياة المدنية، ومنها على سبيل المثال أن المهدى والد ليلى يرفض أن يزوج ابنته من ابن عمها الشاعر لمجرد أنه ذكرها فى قصائده التى تناثرت بين القبائل، ومنها كلام يعبر أن العسل سال من القبلات بين العاشقين، فى الوقت الذى يقبل فيه ورد أن يتزوج من ليلى وقلبها مسكون بابن العم، بل إنه يستضيفه فى داره ويدعوه إلى الطعام، كى يرسل وراءه بعد ذلك قاتلا مأجورا ليتخلص منه.
قيس هنا رجل قوي، فارس مغوار، ومبارز حقيقى يهزمه الفراق، بعد زواج ابنة عمه من رجل آخر، وذلك عكس قيس الذى رأيناه فى أفلام مصرية عديدة أشهرها الفيلم الذى قام ببطولته شكرى سرحان عام 1959 من إخراج أحمد ضياء الدين، كما أن ليلى هنا فتاة بالغة الجرأة لا تتوانى أن تكشف عواطفها، وهى أيضا عاشقة حسية، تعانق حبيبها فى بيتها، بينما الزوج عند الأبواب، وقد ماتت ليلى مع حبيبها على طريقة روميو وجولييت، وذلك مخالف للحدوتة الموجودة فى التراث، لذا فإن ليلى ظلت على قيد الحياة بعد رحيل ابن عمها كما صورت أفلام كثيرة.
رغم أن المخرج كتب فى بيانات الفيلم أن مصدره الرئيس هو كتاب «الأغانى» فمن الواضح تأثرة بنص مسرحية «مجنون ليلى» التى كتبها الشاعر أحمد شوقى، وربما بالمقطع الذى لحنه محمد عبدالوهاب وشاهدناه بصوت أسمهان فى فيلم «يوم سعيد» 1940، حيث تكرر بشكل نثرى غير غنائى باعتبار أن الفيلم يضم الكثير من الأغانى التى كتبها بيرم التونسى، حيث إن الحوار مكتوب أقرب إلى اللغة الصحراوية فى مصر من لغة نجد، بما يعنى أن الفيلم ليس ناطقا باللغة العربية، ما يسهل على المشاهد أن يفهمه، ولاشك أن النص الأصلى عاش فى وجدان الناس؛ لأنه يتكلم عن الحب المستحيل. حيث لم يهنأ أحد بالظروف التى أحاطت بكل من العاشقة العنيدة التى تسلطت هنا على زوجها، فحولته من عاشق إلى منتقم، وقاتل، وكذلك تسببت فى فضح سيرة أبيها أمام القبائل، وللأسف فإننا فى الفيلم نتعامل مع ورد الذى جسده محمود المليجى على أنه شرير الفيلم، وذلك عكس روميو وجولييت حيث ان الصراع بين العائلتين كان هو المحال فى قصة الحب، ما دفع العاشقين إلى الانتحار الصورى الذى صار انتحارا فعليا فيما بعد.