مهزلة تسريبات البوكر!
إيهاب الملاح
آخر تحديث:
الجمعة 26 أبريل 2019 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
أعلن الأسبوع الماضى اسم الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2019)، لم يكن هناك شىء غير عادى قبل الإعلان بثمانى وأربعين ساعة؛ النظام التقليدى، حالة الترقب التى تتنامى وتتصاعد على السوشيال ميديا؛ تأييدا ومساندة لهذا الروائى أو لتلك الروائية. لم يكن هناك شىء غريب حتى تفجرت فجأة، وبدون سابق إنذار ضجة كبرى جراء تسريب اسم الفائزة بالجائزة، وهى الكاتبة الروائية اللبنانية القديرة هدى بركات عن روايتها «بريد الليل»، والكشف عن ملابسات ترشيح روايتها بعد أن أبدت رفضها لهذا الترشيح ومقاطعتها للجائزة، فيما تناقلته العديد من وسائل الإعلام والصحف فى حينه.
لم تكن المشكلة أبدا فى اسم هدى بركات بذاتها ولا روايتها، فثمة أسماء وأعمال لا أحد يختلف على قيمتها وتاريخها وما قدمته للرواية العربية، إنما كانت الأزمة الكبيرة فى الطريقة الهزلية الفضائحية (إن جاز التعبير) التى تم تسريب الخبر بها! للدرجة التى قام بها أحد المحررين الثقافيين المخضرمين بنشر مادة مطولة فى أحد المواقع العربية الجديدة، يفصح فيها وبتفاصيل محرجة غاية الإحراج للجنة التحكيم، ولأمانة الجائزة، وللقائمين عليها عن كيف وقع الاختيار على هدى بركات وعلى روايتها لمنحها الجائزة!
والحقيقة أن هذا التسريب، وهو ليس الأول ولا الثانى ولا الثالث فى تاريخ الجائزة، كان من الفجاجة والفظاظة والإغراق فى سوء الإدارة ما حدا بالكاتبة والروائية العراقية القديرة إنعام كجه جى، وواحدة من كتاب القائمة القصيرة عن روايتها الممتازة «النبيذة»، إعلان مقاطعتها لحضور الحفل وهى ضيفة على المنظمين فى أبوظبى!
كتبت إنعام كجه جى على صفحتها الشخصية على «فيسبوك»: «الآن بدأ فى أبو ظبى حفل الإعلان عن الفائز بجائزة البوكر للرواية العربية. وجدت أن من المناسب الامتناع عن حضور الحفل بسبب التسريبات التى سبقته وتضر بهذه الجائزة. لا يمكننى المشاركة فى ما نسميه باللهجة العراقية عرس واوية. مبروك للعزيزة هدى بركات فوزها بالبوكر، وهى تستحق ما هو أفضل من هذه الجائزة التى كانت على حق يوم دعتنى لمقاطعتها».
ولها كامل الحق، وكل الحق، فى اتخاذ هذا الموقف الاحتجاجى «المهذب»، بعد أن فقد الحدث معناه أساسا! فما الذى يجعل كاتبة لها قيمتها وتاريخها تنتظر إعلانا أعلن، والكشف عما تم الكشف عنه! والإفصاح عما صار حديث الناس جميعا قبل الحفل بما يقرب اليوم كاملا!
لقد أعجبنى جدا التعليق المحكم الذى كتبه الصديق الكاتب والروائى البارع حمور زيادة على هذا الموضوع، كتب «ما فعله (مسميا المحرر الثقافى المخضرم)، مفهوم كسبق صحفى، ربما لو كنت مكانه لما كتبت. لكن ما كتبه يستحق التحقق منه، ومتابعة المصادر التى أشار اليها. لأن وجود هذا التسريب يضرب الجائزة فى مقتل، وهى المجرحة عند كثيرين فى كل عام بتهمة ما. فإن يبلغ الأمر مرحلة تسرب اسم الفائز بهذا الشكل هو أمر معيب لا يمكن تجاهله. على مجلس الأمناء اتخاذ إجراء يجبر الضرر الذى ألحقه هذا التسريب بسمعة الجائزة».
وأؤيد حمور زيادة فيما ذهب إليه، بل أزيد وأقول إن مصداقية الجائزة كلها؛ إدارة وتنظيما، صارت على المحك بعد هذه الواقعة المشينة، وبعد أن تم «تجريسها» (كما نقول فى عاميتنا المصرية) بالطريقة العجيبة والتفاصيل الغريبة التى أوردها المحرر الثقافى المخضرم فى مادته المنشورة، يجب على إدارة الجائزة أن تأخذ هذه المرة بما وجهت به، وعليها مراجعة سياساتها التنظيمية لإعادة الثقة فى مصداقيتها مرة أخرى.
نعم. يجب أن تراجع إدارة البوكر كامل سياساتها وإجراءاتها وآليات حفلها السنوى؛ فليست هذه المرة الأولى التى يثار فيها لغط بشأن تسريب اسم الفائز بالجائزة قبل إعلانها رسميا.. إن هذا الأمر يحرج القائمين عليها، بكل تأكيد، وينال من مصداقية الإعلان (بغض النظر عن اسم الفائز أو الفائزة) فلا يليق أبدا أن ينتشر اسم الفائزة بالجائزة قبل الإعلان رسميا على السوشيال ميديا، وعلى المواقع الإلكترونية، بنحو أربع وعشرين ساعة كاملة! ثم يجلس خمسة كتاب وكاتبات وكأنهم يشاركون فى تمثيلية هزلية معروف خاتمتها مسبقا! أتصور أن إنعام كجه جى أدركت هذا المعنى وانتبهت له، وسعت إلى تداركه بدلالة احتجاجها المهذب!