مشهد السلطوية العربية.. رتوش جزائرية وسودانية مغايرة
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 26 أبريل 2019 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
جاء الحراك الديمقراطى للشعبين الجزائرى والسودانى فى لحظة عربية فاصلة.
باستثناء تونس، لم تفض ثورات وانتفاضات ٢٠١١ إلى تداول سلمى للسلطة وظل الأمل فى التأسيس لحكم القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات بعيدا. خلال السنوات الماضية، دفع إما خليط من القمع وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، أو انهيار السلم الأهلى وتفكك مؤسسات الدولة (سوريا) أو الخوف على الاستقرار والرغبة فى الحفاظ على معدلات تنمية مجتمعية مرتفعة (بلدان الخليج) الأغلبيات العربية إلى التراجع عن طلب الديمقراطية.
ووظفت نخب الحكم السلطوية، جمهورية وملكية، ذلك التراجع لتجديد أدوات إخضاعها للمواطن وسيطرتها على المجتمع وهيمنتها على مؤسسات الدولة. فأضافت إلى القمع، من جهة، الترويج لنظرة سلبية للانتفاضات الديمقراطية ترادف بينها وبين الفوضى. وعملت، من جهة أخرى، على تمرير العديد من القوانين والتعديلات القانونية والدستورية، التى تجعل من التعبير الحر عن الرأى مخاطرة غير مأمونة العواقب ومن منظمات المجتمع المدنى المستقلة كيانات معادية تهدد الأمن القومى ومن المؤسسات الأمنية قلب بنية الدولة.
ولم يغب عن نخب الحكم السلطوية الانفتاح على تعاون إقليمى تحركت فى سياقاته الأموال والجهود الدبلوماسية (وأحيانا السلاح) إن لتثبيت التراجع عن طلب الديمقراطية أو لإعادة تأهيل حكام عرب ذهبت انتهاكات حقوق الإنسان التى تورطوا بها بمصداقيتهم أو لمواصلة الترويج للمرادفة غير الأمينة بين الديمقراطية والفوضى على نحو يبقى الناس بعيدا عن ساحات وميادين الحرية.
خلال السنوات الماضية، بدت أوضاع بلاد العرب وكأن الشعوب قد استكانت لبقاء نخب الحكم السلطوية فى مواقعها أو قبلت بعودتها إليها بعيد اهتزازات محدودة. خلال السنوات الماضية، سيطر على مخيلة الناس الخوف من استنساخ كارثة انهيار السلم الأهلى وتفكك مؤسسات الدولة التى عانت منها وما زالت سوريا وليبيا واليمن. خلال السنوات الماضية، عادت إلى الارتفاع أسهم الرؤساء والملوك والأمراء الذين صوروا كأبطال منقذين جاءت بهم العناية الآلهية للحيلولة دون المزيد من تهور الشعوب ولضمان الحفاظ على الاستقرار.
ثم كان أن جاء الحراك الديمقراطى للشعبين الجزائرى والسودانى ليصنع مشهدا عربيا مغايرا قوامه قدرة الناس على مواجهة القمع بالخروج السلمى إلى الفضاء العام طلبا للتغيير، وقدرتهم أيضا على الربط الواعى بين تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والظروف المعيشية وبين التأسيس للتداول السلمى للسلطة ولحكم القانون.
فى الجزائر والسودان، يبدو المواطنون المشاركون فى الحراك الراهن وكأنهم استفادوا من دروس انتفاضات ٢٠١١ التى اختصرت تجاوز نخب الحكم السلطوية فى التخلص من الحكام ومن بعض الفاسدين ولم تتعامل بجدية مع تحديات إرث الاستبداد الطويل وصعوبات بناء المؤسسات الديمقراطية. فى الجزائر والسودان، تحضر دلائل واضحة على إدراك الناس لضرورة التفاوض الجاد مع المؤسسات العسكرية والأمنية لكى تتراجع عن شىء من هيمنتها على السياسة والدولة وتقبل شراكة حقيقية مع المدنيين عمادها رؤية متكاملة لإدارة الانتقال الديمقراطى على نحو لا يستنسخ أخطاء بلدان انتفاضات ٢٠١١.