الصراع على غاز شرق المتوسط

محمد السماك
محمد السماك

آخر تحديث: الأحد 27 مايو 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لم يعد ثمة شك فى أن شرق البحر المتوسط يقوم فوق بحيرة من الغاز. يقدر مخزون هذه البحيرة بحوالى 122 تريليون قدم مكعب. تكفى هذه الكمية لسد حاجة الأسواق الأوروبية كلها لمدة ثلاثين عاما. وهى تكفى لسد حاجة العالم كله لمدة عام واحد على الأقل.

 

تقع هذه البحيرة داخل الحدود البحرية الاقليمية لست دول هى تركيا وسورية وقبرص ولبنان ومصر وكذلك اسرائيل. ولكن العلاقات بين هذه الدول تجعل من عملية استخراج هذه الثروة الضخمة من الغاز ــ وربما من النفط أيضا ــ بالغة الصعوبة والتعقيد. أما أسباب ذلك فتعود إلى طبيعة العلاقات القائمة ــ أو غير القائمة ــ بين هذه الدول.

 

●●●

 

فالعلاقات بين لبنان واسرائيل يحكمها اتفاق وقف اطلاق النار بموجب قرار مجلس الامن الدولى 1701 الذى صدر فى أعقاب العدوان الاسرائيلى على لبنان فى عام 2006. ثم ان الحدود البحرية بينهما لم تحدد بعد، وبالتالى لم ترسّم. فما تعتبره اسرائيل خاضعا لها، يؤكد لبنان انه امتداد لمياهه الاقليمية. تستطيع اسرائيل استضعاف لبنان وفرض الحدود التى تراها مناسبة لها، ولكن قذيفة تطلق من جنوب لبنان على منصة استخراج النفط تكفى لإشعال حريق حرب اقليمية جديدة.

 

والعلاقات بين تركيا وقبرص يحكمها غياب اى اتفاق منذ تقسيم الجزيرة فى عام 1974 إلى قسمين، شمالى قبرصى تركى، وجنوبى قبرصى يونانى.

 

فلا تركيا تعترف بحكومة نيقوسيا حتى بعد أن أصبحت عضوا فى الاتحاد الأوروبى، ولا هذه الحكومة تعترف بانفصال شمالها الذى يخضع لسيطرة تركية عسكرية مباشرة وغير مباشرة. ولقد رفضت تركيا الشرط الذى فرضه الاتحاد الأوروبى عليها لقبول طلب انضمامها إلى الاتحاد، وهو الانسحاب من شمال قبرص والاعتراف بها دولة موحدة برئاسة الحكومة القائمة فى نيقوسيا (طبعا بعد اجراء تعديلات عليها). تستطيع قبرص تحت مظلة أوروبية معنوية أن تمضى قدما فى استغلال الغاز من مياهها الاقليمية. ولكن تركيا قادرة على ممارسة دبلوماسية «الزوارق الحربية» لحفظ حقوق قبرص الشمالية، وحقوقها هى أيضا !.. ومما يزيد الأمر تعقيدا، التحول الذى طرأ على العلاقات التركية ــ الاسرائيلية بعد عملية القرصنة التى قامت بها قوات بحرية اسرائيلية ضد الباخرة التركية «مرمرة» التى كانت تنقل مساعدات انسانية إلى غزة المحاصرة. وقد أدى هذا التحول إلى سقوط ما كان يعتبر تحالفا اسرائيليا ــ تركيا فى شرق المتوسط، وقيام تحالف اسرائيلى ــ يونانى على خلفية الصراع التركى ــ اليونانى حول بحر إيجة.. وتحديدا حول قبرص !!

 

●●●

 

أما العلاقات المصرية ــ الاسرائيلية بعد ثورة 25 يناير ــ كانون الثانى، فلم تعد بالضرورة محكومة بمعاهدة السلام التى وقّعت بينهما، ويؤشر إلى ذلك بوضوح ليس حادث اقتحام السفارة الاسرائيلية فى القاهرة وانزال العلم الاسرائيلى فقط، ولكن سلسلة التفجيرات التى استهدفت الأنابيب التى كانت تنقل الغاز المصرى من سيناء إلى اسرائيل بسعر رمزى بموجب تلك المعاهدة.

 

أما سوريا الغارقة فى وحول أزمتها الداخلية الخطيرة، فانها حتى الآن خارج الصورة تماما.

 

لم يكن اكتشاف الثروات الطبيعية دائما خيرا على أصحابها، خاصة اذا كانت هذه الثروات مشتركة. فقد انشطر السودان إلى دولتين لخلاف على عائدات النفط. وتقف الدولتان التوأمان على شفير حرب جديدة بسبب الخلاف على السيادة على بعض الآبار المنتجة. وفى إندونيسيا كاد اقليم أتشه فى غرب البلاد ينفصل عن الدولة الأم بسبب الشكوى من عدم توظيف عائدات النفط الذى ينتجه الاقليم فى مشاريع تنموية داخلية. ولم يحفظ العلاقة الوطنية الأندونيسية سوى وساطة أوروبية استمرت وقتا طويلا.

 

ويضرب نيجيريا اعصار من الفتن الطائفية بين شمال فقير وجنوب منتج للنفط ولكنه لا يقل فقرا. وحتى فى دولة متقدمة كبريطانيا، فان ثروة النفط والغاز فى بحر الشمال وفرت قوة دفع اضافية للحركة الوطنية السكوتلندية التى تطالب بالانفصال عن لندن.

 

غير أن الأسواق العالمية المتعطشة إلى الطاقة من النفط والغاز لا تقف أمام هذه التداعيات مكتوفة الأيدى. فهى فى الوقت الذى تبحث فيه عن بديل يؤمن لها الاستقرار، تعمل جاهدة على التوفيق بين المتخاصمين لتكون طرفا فى المصالحة وتاليا شريكا فى الاستثمار.

 

●●●

 

وهكذا فى الوقت الذى تنشط فيه المساعى والمبادرات الدبلوماسية بين لبنان واسرائيل من جهة، وبين قبرص ولبنان وسوريا من جهة ثانية، وبين تركيا وقبرص من جهة ثالثة، يطرح غاز الاسكا فى شمال الولايات المتحدة المكتشف حديثا بديلا استراتيجيا. وكان اكتشاف النفط فى الاسكا وانتاجه وشحنه إلى الأسواق الأمريكية والكندية، منذ السبعينيات من القرن الماضى قد شكل ضغطا على منظمة أوبيك وكبح حريتها فى تحديد الأسعار.

 

ويمكن ان يشكل اكتشاف وانتاج الغاز من الاسكا دورا مماثلا فى المستقبل القريب أيضا. ذلك ان الاحتياطى المكتشف من الغاز فى البر والبحر يقدر بحوالى 394 تريليون قدم مكعب. غير ان الاستثمار لا يزال يتركز حتى الآن على النفط الذى بلغ أثناء ذروة الانتاج مليونى برميل يوميا. اما الآن فقد تراجع إلى 563 ألف برميل فقط وهو فى تناقص مستمر.

 

ويحتاج انتاج الغاز من الاسكا إلى مشاريع ضخمة لضخه عبر أنابيب طويلة تمرّ عبر كندا إلى الولايات المتحدة. كما يحتاج إلى تسييله ومن ثم شحنه بالسفن إلى الأسواق العالمية. وفى الوقت الحاضر يعاد ضخ 88 بالمائة تقريبا من الغاز المستخرج فى آباره لعدم توفر وسائل النقل أو الشحن. ويباع منه 11.6 بالمائة فقط، ويحرق 0.6 بالمائة.

 

أما تكاليف مشاريع التسييل والشحن فتتراوح بين 40 و50 مليار دولار. وهو مبلغ ضخم لا يمكن تأمينه الا من خلال عقود طويلة الأجل مع الدول صاحبة الأسواق الاستهلاكية وعلى رأسها الصين.

 

ولقد جرت اتصالات من أجل ذلك بين الولايات المتحدة وكل من الصين واليابان، الا ان هذه الاتصالات لا تزال فى مراحلها الأولية، الأمر الذى يعطى غاز شرق المتوسط أهمية استثنائية، يعكسها تنافس الشركات العالمية على الحصول على امتيازات للتنقيب والانتاج. وتتطلع دول المنطقة إلى هذه الثروة بآمال كبيرة.

 

فاسرائيل تحتاج إلى هذه الثروة بعد أن انقطع مورد الغاز المصرى شبه المجانى. ولبنان بحاجة اليها كمصدر للدخل يساعد على تسديد ديونه الخارجية التى قاربت الخمسين مليار دولار. وقبرص بحاجة اليها لتجنب الوقع فى المأزق الذى يكاد يخرج اليونان من الاتحاد الأوروبى ومن منطقة اليورو. وسورية تحتاج اليها لإعادة بناء اقتصادها الذى دمرته المحنة التى تمر بها منذ أكثر من عام. أما تركيا فانها لا تستغنى عنها، ليس فقط كمصدر اضافى للدخل، انما كمصدر وطنى للطاقة، علما بأن تركيا لا تنتج لا نفطا ولا غازا.

 

●●●

 

فهل يكون اكتشاف هذه الثروة الضخمة أساسا لمعالجة الصراعات الاقليمية، أو مادة ملتهبة لتفجيرها ؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved