النص فى الدستور على إنشاء مجلس للأمن القومى
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 26 مايو 2012 - 8:35 ص
بتوقيت القاهرة
مع تعقد المشكلات التى تواجهها الأمم وتشعبها، والأبعاد المختلفة التى تأخذها هذه أو تلك، نشأت الحاجة لأن تتضافر كل الجهود، وأن يتم حشد مختلف الطاقات، من أجل التصدى لهذه المشكلات والتحديات. لم يعد فى الإمكان إسناد مهمة معالجة مشكلة معينة إلى جهاز واحد أو وزارة بعينها. خذ مثلا ما دأبت إسرائيل على ترديده منذ قيام الثورة من أن مصر قد فقدت السيطرة على سيناء، وأن شبه الجزيرة قد أصبحت وكرا للجماعات المتطرفة والإرهابية، وقاعدة لإطلاق الصواريخ ضد إسرائيل. لا تكتفى إسرائيل بترديد هذه المزاعم بل هى تحاول إقناع الكونجرس الأمريكى، عن طريق اللوبى النافذ الخاص بها، بأن إسرائيل إنما تواجه أخطارا جساما حتى من جانب دولة عقدت معها معاهدة سلام منذ ثلاثة وثلاثين عاما. تلجأ إسرائيل إلى ذلك لتقضى حاجة فى نفس يعقوب، إذ مازالت تحلم باسترداد سيناء، أو جزء منها، إن هى تمكنت من ذلك، وفى نفس الوقت تستدر العطف الأمريكى فى شكل المزيد من المعونات العسكرية والاقتصادية. واضح إذن أن المشكلة التى تثيرها إسرائيل فيما يخص سيناء هى مشكلة متعددة الجوانب والأبعاد. هى مشكلة أمنية فى المقام الأول، ولكنها أيضا مشكلة سياسية تتعلق بمعاهدة السلام، والبنود الخاصة بترتيبات الأمن التى تملك مصر، بمقتضى نص المعاهدة، فتح ملفها فى أى وقت تشاء. وتتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وبالمعركة الإعلامية التى تشنها إسرائيل. أضف إلى ذلك أن الأمر يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأهلنا فى سيناء وضرورة الاستجابة لمطالبهم، والحاجة للدفع قدما بمشروعات التنمية فى هذا الجزء العزيز من الوطن. إذن فالأمر يحتاج إلى تضافر جهود العديد من الوزارات والأجهزة؛ الدفاع، الخارجية، الداخلية، الاقتصاد، الإعلام، المخابرات العامة.
هنا تنشأ الحاجة إلى وجود مجلس للأمن القومى، يستعرض المشكلة بجميع أبعادها، ويصدر التوصيات والقرارات للتعامل معها، وفوق هذا متابعة تنفيذ ما يتم إقراره. ولنضرب مثالا آخر يتعلق هذه المرة بالمشكلة الخاصة بمياه نهر النيل، والسدود التى تقيمها بعض دول المنبع على مجراه. لا يتعلق الأمر فقط بوزارة الرى والموارد المائية، إنما وقبل كل شىء بأسلوب إدارة ملف علاقاتنا بدول حوض النيل والدول الإفريقية عموما. هل استطاعت مصر على امتداد العقود الماضية التى تقيم العلاقات المثمرة مع هذه الدول، وأن تخلق المصالح المشتركة معها، بما يشكل صمام الأمان أمام أى انحراف قد يعترى مواقف بعض الدول، أو تغليب لمصالحها على حساب المصلحة المصرية؟ المشكلة إذن تتعلق أيضا بوزارات الخارجية، والاستثمار، والتعليم، والزراعة، وغيرها. وأزعم الجهة التى يمكنها النظر فى المشكلة من جميع جوانبها وتوفر الأرضية المناسبة، وتتخذ القرارات فى الوقت المناسب، إنما تتمثل فى وجود مجلس للأمن القومى المصرى.
●●●
أحسب أن الأوضاع المتشابكة التى عاشت فيها مصر بعد تولى الرئيس أنور السادات للسلطة فى منتصف أكتوبر 1970، كانت وراء قراره باختيار السيد محمد حافظ إسماعيل رحمه الله لتولى مهمة مستشاره لشئون الأمن القومى، كمقدمة لإنشاء مجلس للأمن القومى. كان ذلك فى يوليو 1971 وان لم يتول منصبه فعليا إلا فى منتصف شهر سبتمبر من نفس العام. كان شغل الرئيس السادات الشاغل إعداد العدة لتحرير الأرض المحتلة وإنهاء الاحتلال الذى جثم على صدورنا منذ منتصف عام 1967. قدّر السادات أن معركة التحرير لن تكون معركة عسكرية بحته، إنما تسبقها ويتزامن معها معركة سياسية تضمن التأييد الدولى لقضايانا المشروعة، وحشد الطاقات العربية الداعمة للمجهود الحربى، وتعبئة الجبهة الداخلية المساندة لحرب التحرير.
كان اعتزازى عظيما باختيار الأخ الكبير، والسفير المتميز علما وخلقا، الدكتور عبدالهادى مخلوف، لى لأكون ضمن مجموعة محدودة العدد ترأسها، وشكّلت مكتب مستشار رئيس الأمن القومى.
جرى خلال الأعوام من 1971 إلى عام 1973 الاستعداد للمعركة بكل أبعادها، حيث حرص المستشار حافظ إسماعيل على الاستعانة بعدد من المساعدين الأكفاء، وبمجموعة من الدبلوماسيين المتميزين الذين كان يتم استدعاؤهم من البعثات التى يعملون بها فى الخارج بشكل دورى، وذلك من أجل وضع التصورات والخيارات للجهد السياسى والدبلوماسى المرتقب.
وشهد عام 1972 أزمة خطيرة فى العلاقات مع الاتحاد السوفييتى بسبب قرار الاستغناء عن الخبراء العسكريين السوفييت الذين وصل عددهم حينئذ إلى 18 ألف خبير. كان لابد من احتواء هذه الأزمة وفى أسرع وقت ممكن حتى لا تنعكس سلبا على قرار الحرب، ومن أجل ضمان وصول الإمدادات الحربية واستمرار الدعم السياسى قبل الحرب وفى أثنائها. وشهد عام 1972 أيضا الاستعداد لاتصالات على مستوى عال مع الولايات المتحدة بناء على مبادرة قدمتها وفى ظل غياب للعلاقات الدبلوماسية معها. وتم فى عام 1973 تحرك دبلوماسى نشط سواء فى المحافل الدولية أو على صعيد العلاقات الثنائية مع الدول الكبرى، والدول العربية ودول عدم الانحياز. وجرت هذه المعركة السياسية جنبا إلى جنب مع المعارك الحربية التى بدأت بالعبور العظيم لقناة السويس بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973. كانت الاتصالات لا تتوقف مع هذه الدول طوال فترة الحرب، ولم ينقطع سيل الزيارات من كبار المسئولين العرب والأجانب لمصر خلال تلك الفترة. وعندما خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار فى 23 أكتوبر 1973 تسارعت وتيرة الاتصالات السياسية، فى الوقت الذى حبس العالم أنفاسه أمام نذر مواجهة نووية بين الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة.
كان الرئيس السادات يجتمع بشكل دورى بأعضاء مجلس الأمن القومى ــ أو بالأحرى بالقيادات السياسية والعسكرية فى البلاد ــ قبل بداية المعارك واستعدادا لها. وما إن اندلع القتال حتى انتقل الرئيس إلى قصر الطاهرة حيث كان يجرى اتصالاته الداخلية والخارجية بالإضافة إلى متابعة سير المعارك من خلال غرفة العمليات. عكف مستشار الرئيس حافظ إسماعيل ــ الذى انتقل بمكتبه إلى موقع قريب ــ على ضمان تدفق المعلومات إلى الرئيس من مختلف المصادر، وكذلك إجراء الاتصالات الخارجية والداخلية بناء على التوجيهات التى يتلقاها من رئيس الجمهورية.
●●●
لعلنى وفقت فيما عرضت سلفا فى أن أؤكد على مدى أهمية بل حيوية فى وجود مجلس للأمن القومى فى مصر تكون مهامه:
وضع تعريف دقيق ومفهوم متكامل للأمن القومى المصرى.
دراسة التهديدات والتحديات التى تواجه مصر داخليا وخارجيا.
وضع الخيارات واقتراح البدائل للتعامل مع هذه المواقف وتحديد أفضل الوسائل لمواجهتها.
التنسيق بين مختلف الوزارات والأجهزة التى تتولى تنفيذ التوصيات والقرارات.
متابعة تنفيذ القرارات.
أما تشكيل المجلس فيكون على أساس وجود أعضاء دائمين هم: رئيس الجمهورية ــ نائب رئيس الجمهورية أو نوابه ــ رئيس الوزراء ــ وزير الخارجية ــ وزير الدفاع ــ وزير الداخلية ــ رئيس المخابرات العامة ــ مستشار الرئيس للأمن القومى الذى يتولى الأمانة العامة للمجلس ويقوم بتنظيم تدفق المعلومات من مختلف مصادرها لرئيس الجمهورية بصفة مستمرة، بالإضافة إلى أعضاء غير دائمين يدعون لحضور اجتماعات المجلس فى حالة وجود قضايا أو مشكلات تستدعى مشاركتهم، مثل وزير المالية أو وزير الاقتصاد أو وزير الرى والموارد المائية وغيرهم من الوزراء والمسئولين.
●●●
بقى أن أشير إلى عدد من الأمور ذات الصلة:
من اجل أن يتفرغ مجلس الأمن القومى للاضطلاع بالمسئوليات المنوطة به، من المهم أن يتولى جهاز آخر منفصل عنه مسئولية الشئون المالية والإدارية الخاصة بمؤسسة الرئاسة.
يختلف مجلس الأمن القومى المقترح، من حيث الاختصاص والتشكيل، عن مجلس الدفاع الوطنى المنصوص عليه فى المادة 182 من دستور 1971، وفى المادة 54 من الإعلان الدستورى لعام 2011. فالمادة المذكورة التى جاءت بالدستور قد تم إدراجها تحت الفصل الخاص بالقوات المسلحة (الفصل السابع)، ونصت على أن يختص مجلس الدفاع بالنظر فى الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها. ويوحى هذا النص ــ فضلا عن إدراجه ضمن الفصل الخاص بالقوات المسلحة ــ بأن مجلس الدفاع إنما يختص بالمسائل ذات الطبيعة العسكرية، وهو أمر يختلف عن اختصاصات مجلس الأمن القومى التى سبق الإشارة إليها، والتى تشمل الأمن القومى المصرى بمعناه الشامل وبجوانبه المتعددة.