التحديات التى تواجه رئيس مصر القادم
مصطفى كامل السيد
آخر تحديث:
الإثنين 26 مايو 2014 - 8:15 ص
بتوقيت القاهرة
قد تكون مشاكل مصر معروفة، ولكن الرئيس الجديد سوف يضع بصماته على مستقبل مصر القريب خلال سنوات حكمه بترتيبه لأولويات هذه المشاكل، وبانتهاجه أسلوبا جديدا فى علاجها. بل إنه ليس لديه ترف وضع ترتيب آخر لبعض هذه المشاكل، فهى مفروضة عليه منذ اليوم الأول لرئاسته، بل إن إرهاصات إحداها وهى مشكلة الأمن بادية قبل انتخابات الرئاسة، ومنذ الثلاثين من يونيو من العام الماضى، كما إن البعض الآخر منها مثل قضايا الاقتصاد والبطالة والفقر وغياب العدالة الاجتماعية موروثة من عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ولكنها تفاقمت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويضاف إلى هذه التحديات تحدٍ آخر يتعلق بالجهد الذاتى الذى يجب أن يبذله الرئيس للتكيف مع مهام الرئاسة فى ظرف دستورى وسياسى جديد لم يألفه رئيس سابق من قبل طوال تاريخ العهد الجمهورى فى مصر.
هل من أسلوب جديد فى مواجهة تحدى الأمن؟
لا يستطيع الرئيس الجديد، أيا كانت نتيجة هذه الانتخابات الرئاسية أن يطرح قضية الأمن جانبا، سوف يذكره بها فى أغلب الظن جماهير الإخوان الذين سيرحبون به على طريقتهم، وغالبا ستحاول قيادتهم بذل قصارى جهدها لتعبئة أكبر عدد منهم لإظهار أن الأغلبية التى تعلن لجنة الانتخابات الرئاسية فوزه بها هى أغلبية مزعومة، وأن المواطنين المصريين، حسبما ستخرج به قناة الجزيرة قد أدلوا بأصواتهم ليلا ونهارا من خلال مظاهرات فى أماكن نائية من البلاد وفى أحياء الفقراء، وقد تحاول التنظيمات المتطرفة أن تعكر صفو المهرجان الانتخابى بانفجارات هنا وهناك. كيف يواجه الرئيس الجديد هذا التحدى؟ وهل سيبقى على آلاف من المواطنين فى السجون، قدرهم رئيس المنظمة المصرية لحقوق اللإنسان بستة آلاف، وقدرتهم منظمات حقوقية دولية بستة عشر آلاف لا سبيل إلى تصفية حالاتهم بانتظار محاكمات تطول وقد لا تتم حيث إن الاتهامات الموجهة لهم يصعب تحديدها وقد جرى سجنهم ربما على سبيل الاحتياط أو الاشتباه. ليس من المقنع أن يكتفى الرئيس القادم باقتداء نفس الأسلوب الذى سارت عليه أجهزة الأمن والنيابة طوال السنة الماضية، فلم يفرخ هذا الأسلوب استقرارا حقيقيا فى البلاد، ولا يمكن له التغاضى عن أن الملايين الخمسة التى صوتت لصالح الرئيس السابق فى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الماضية يشعرون بالغبن ان يجرى إقصاؤهم عن المشاركة السياسية أيا كانت خلفياتهم الاجتماعية والتعليمية، ولكن على الرئيس القادم أن يدرك أيضا أن بينهم آلافا من أساتذة الجامعات والعلماء والأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب الكفاءات والمتعلمين الذين تخسر مصر بخروجهم من حشود العاملين من أجل إقالتها من عثرتها. لن يجدى أسلوب الإقصاء فى المستقبل كما لم يجد فى الماضى، والتحدى الهائل أمام الرئيس الجديد هو أن يبتدع أسلوبا جديدا يكفل أن تطوى مصر هذه الصفحة ولو بعد حين.
ولكن مشكلة الأمن لا تقتصر فقط على بعدها السياسى. هناك البعد المألوف لها فى كثرة حوادث الاختطاف والسرقات وممارسة البلطجة مما يضج به المواطنون وخصوصا فى الأقاليم، والنجاح هنا مرتبط بالنجاح فى الشق السياسى الذى يمكن أجهزة الأمن أن تتفرغ بدرجة أكبر لمهامها العادية. ولكن النجاح هنا مرتبط كذلك بتطوير أجهزة الأمن نفسها بل وبإصلاحها على نحو لا يكتفى فقط بتزويدها بمعدات وأدوات مواكبة لتطور أساليب الجريمة وحجمها، ولكن بنشر ثقافة جديدة بين رجال الشرطة تدفعهم لاحترام حقوق الإنسان فى تعاملهم مع المواطنين، أيا كانت خلفياتهم الطبقية.
•••
والتحدى الثانى فى أولويات الرئيس الجديد هو بكل تأكيد خروج الاقتصاد المصرى من عثراته، وبعضها مؤقت بكل تأكيد ويرتبط باستقرار الأمن، ولكن هناك الخيارات الصعبة التى نأى عنها مرشحا الرئاسة لأنها تقتضى تضحيات هائلة من جانب المواطنين. لا يمكن للقفزة الهائلة فى معدلات التنمية التى تحدث عنها مرشحا الرئاسة أن تتحقق ولا للزيادة الهائلة فى معدلات الاستثمار أن تحدث دون القضاء على عجز الموازنة الذى يكاد يتجاوز عجز موازنة اليونان، وهو الذى أدى إلى تدخل الاتحاد الأوروبى بالأمر بموازنة تقشفية قاسية تذمر منها أغلب المواطنين فى مقابل المعونة التى قدمها الاتحاد. وكيف يمكن لعجلة الاقتصاد أن تدور ومشكلة الطاقة تهدد المواطنين ومؤسسات الإنتاج والخدمات ومعهم الحكومة القادمة بصيف ساخن. على أعضاء الفريق الرئاسى القادم أن يفيقوا سريعا من نشوة النصر ويجتهدوا فى مواجهة التحدى الاقتصادى بأفكار واقعية تتضمن تضحيات، ولكنها تتوزع بالعدالة بين كل الطبقات وتعد بالخروج من هذا النفق المظلم فى وقت قريب.
•••
لا شك أن هناك تحديات أخرى تواجه الرئيس القادم، ولكن واحدا من أهمها يعلق به نفسه. عليه أن يقرأ جيدا دستور مصر الذى وضع على الرف منذ الموافقة عليه فى استفتاء شعبى فى يناير 2014، والذى أقسم على احترامه، وأن يستوعب خصوصا توزيع السلطة بينه ورئيس وزراء لابد وأن يحظى بتأييد أغلبية برلمانية يضع قانون الانتخابات البرلمانية الجديد كل الصعوبات أمام تلمس ملامحها بتفضيله النظام الفردى، وعليه أن يدرك أيضا أن البرلمان القادم لن يكون بالضرورة طوع إرادته. فلا يجب عليه أن يتصور أن رئيس الوزراء هو سكرتير تنفيذى له أو أنه جندى فى وحدته يأتمر بأمره. أو أن مجلس النواب هو مجموعة من المصفقين لما يقول أيا كان ما يقول أو يفعل.
ربما لو استوعب الرئيس القادم طبيعة هذه التحديات لكان دخوله قصر الاتحادية مقدمة لمسيرة سلسة نتمناها لرئاسته.