كيف اختار أوباما وزيرا الدفاع والخارجية وفريق الأمن القومى؟
السيد أمين شلبى
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 يونيو 2012 - 8:35 ص
بتوقيت القاهرة
على الرغم من أن قضايا السياسة الداخلية ستكون الأكثر إلحاحا على الرئيس المنتخب، إلا أن هذا لا ينفى الأهمية البالغة لقضايا السياسة الخارجية الإقليمية والدولية بالغة التعقيد والمتصلة بأمن مصر القومى، والتى ستواجهه وستتطلب التعامل معها بقدرات وخبرات عالية، خاصة أن الرئيس الجديد، حتى ولو كان يمتلك رؤية للخطوط العامة وتوجهات السياسة الخارجية، إلا أن هذه الرؤية تتطلب فريقا ذا خبرة وتجربة وقادرا على تنفيذ هذه الرؤية.
●●●
كان هذا تماما ما واجه الرئيس الأمريكى باراك أوباما حين تولى السلطة فى يناير عام 2009. فعلى الرغم من أن أوباما كان يمتلك رؤية واضحة، إلا أنه لم يمتلك خبرة فى صنع أو تنفيذ السياسة الخارجية. ولهذا أدرك الرئيس الجديد أنه لتنفيذ رؤيته، عليه أن يحيط نفسه بفريق موهوب وذى خبرة فى الأمن القومى. ولهذا كان اختيار روبرت جيتس كوزير للدفاع حاسما فى قدرته على إنهاء انخراط أمريكا فى حربين، فى نفس الوقت الذى استطاع فيه أن يهزم تنظيم القاعدة، ويفوت على معارضيه السياسيين الفرصة لتصويره كرئيس ضعيف فى قضايا الدفاع. كذلك كان اختياره لمنصب وزير الخارجية أمرا حاسما لقدرته على اتباع دبلوماسية حازمة. ولأن غرائز أوباما كانت براجماتية، فقد اختار أشخاصا براجماتيين غير أيديولوجيين لمساعدته. فى هذا السياق، كان قرار أوباما ليطلب من روبرت جايتس البقاء فى منصبه كوزير للدفاع أمرا طبيعيا، بل وحتى واضحا. إلا أنه كان أمرا غير مسبوق، فلم يحدث أن خدم أحد وزراء الدفاع السابقين رئيسين أمريكيين متتاليين يختلفان فى انتمائهما الحزبى، وخاصة أن الرئيس السابق كانت سياساته العالمية موضع اختلاف وخلفه الرئيس أوباما الذى كان ينتقده بشكل دائم وقوى على هذه السياسة الخارجية. وعلى أحد المستويات، كان اختيار جيتس ذا معنى. فأمريكا كانت فى حرب عندما انتُخب أوباما رئيسا، وقد كان أوباما عضوا للشيوخ بدون خبرة وينتمى لحزب يُتهم دائما فى أدائه حيال الأمن القومى. وعلى هذا كان المنطق هو الاحتفاظ بالاستمرارية مع وزير للدفاع، كان ينظر إليه من الكثير على أنه جاد وفعال وغير حزبى. وكان ذلك بالرغم من أن روبرت جيتس ينتمى للحزب الجمهورى، وأن هناك ديمقراطيين، على مستوى عال من التأهيل، جاهزين لأداء هذه المهمة وعلى ولاء لحزبهم ولأوباما. غير أنه كان من الواضح أن قرار أوباما هو أكثر من مجرد قرار سياسى. فقد اختار أوباما روبرت جيتس بسبب مزاياه كشخص براجماتى وجاد وذى قدرة على الحكم الجيد، وذى قدرة على مساعدة الرئيس الشاب التقدمى الجديد لكى يتغلب على شك المؤسسة العسكرية فيه. ولذلك قدم جيتس الاستمرارية حيال أمور أساسية، مثل استراتيجية الدفاع وميزانيته. فقد ركز جيتس موارد الدفاع بشكل أكبر على الحروب التى تنخرط فيها أمريكا، وألغى عددا من نظم التسلح المستقبلية التى ظن أن البلد لا تتحملها.
●●●
من ناحية أخرى، اختار أوباما هيلارى كلينتون، منافسته فى انتخابات الرئاسة، كوزيرة للخارجية. وكان اختياره قائما بشكل أكبر من الحسابات السياسية. وقد اُعجِب أوباما بقدرات كلينتون الذهنية وأساليبها المثابرة فى العمل، بالإضافة لبراجماتيتها طبعا.
وهكذا، ومع شخصيات قوية ومجربة فى قمة البنتاجون ووزارة الخارجية، ونائب للرئيس ذى خبرة عميقة فى السياسة الخارجية، شعر أوباما أنه فى حاجة إلى نوع من الشخصيات كى يرأس مجلس الأمن القومى. وقد قرر أوباما ألا يختار من بين مستشاريه فى السياسة الخارجية خلال حملته الانتخابية، مثل سوزان رايس Susan Rice وجريج كرايج Greg Craig وجايمس ستاينبيرج James Steinberg. وكان كل من رايس وكرايج قد اصطدما بشكل علنى مع حملة كلينتون بما جعلهما غير مناسبين لكى يتولا مهمة تنسيق أنشطة وزيرة الخارجية الجديدة، وكان فى إرساله رايس إلى الأمم المتحدة حلا جيدا، حيث تجمع رايس بين المثالية والصرامة، فسيساعد ذلك بشكل كبير على تحفيز دعم أكبر لأجندة أوباما العالمية. وكان ستاينبيرج أكثر ملاءمة لمهمة مستشار الأمن القومى، حيث إنه خدم كنائب لمستشار الأمن القومى خلال ولاية كلينتون الثانية وطور قدرة كبيرة على أن يوازن بين الاستراتيجية والسياسة فى تطويره الخيارات السياسية للرئيس. والتأثير النهائى فى اختيار فريقه للأمن القومى، فقد اختار أوباما أن ينحى مستشاريه فى الحملة الانتخابية والذين كان يمكن أن يقووا غرائزه التقدمية لصالح الشخصيات من الخارج أو حتى الخصوم الذين يمكن أن ينمو جانبه البراجماتى. وكان اختياره للجنرال جايمس جونز James Jones كمستشار للأمن القومى يعكس مرة أخرى رغبة أساسية لكى يوازن مظهره كمثالى وشاب وغير مجرب مع فريق يُشهد لهم بأنهم خبراء قدامى فى الدفاع والسياسة الخارجية. وهكذا، كانت اختيارات أوباما توحى أنه كان يريد منسق coordinator أكثر من مفكر استراتيجى من شاكلة هنرى كيسينجر أو زبيجنيو بيرجنسكى كشخص سيكون أكثر المستشارين قربا للرئيس حول قضايا الأمن القومى.
كذلك بدأ اهتمامه فى أن يقدم للعالم فريقا من الشخصيات المجربة فى تعيينه لشخصيتين على مستوى عال كمبعوثين شخصيين لأفغانستان والشرق الأوسط. ريشارد هولبروك Richard Holbrook الذى فاوض بنجاح اتفاقيات دايتون وأنهى الحرب فى البوسنة. وجورج ميتشل George Mitchell الذى فاوض بنجاح اتفاقية بلفاست التى أنهت الصراع فى أيرلندا الشمالية، وكان كل منهما ملائما تماما كى يتعامل مع أكثر التحديات تعقيدا فى أجندة أوباما.
●●●
وهكذا نتصور أن اختيار أوباما للشخصيات المسئولة عن سياسات أمريكا الدفاعية والخارجية لم يكن يتحكم فيها اعتبارات سياسية حزبية وإنما على أساس خبرات وقدرات هذه الشخصيات وحتى ولو كانت من أحزاب مختلفة، بل وربما من كانوا ينافسونه فى حملته الرئاسية.