الشرق الأوسط وسباق «ربع المتر الأخير» بين الدبلوماسية والحرب
مواقع عربية
آخر تحديث:
الأحد 26 يونيو 2022 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
نشرت وكالة صدى نيوز الفلسطينية مقالا للكاتب عريب الرنتاوى بتاريخ 25 يونيو تناول فيه الصراع الإسرائيلى الإيرانى وتأثيره على دول الشرق الأوسط.. نعرض من المقال ما يلى.
تخيم التكهنات بشأن «صيف ساخن» ينتظر الشرق الأوسط، على كتابات وتحليلات كثرة من المراقبين والمحللين السياسيين فى عواصم الإقليم، ولديهم فيما ذهبوا إليه من تقديرات متشائمة، ما يكفى من الدلائل والمؤشرات، التى إن تراكمت وتتالت فى المسارات التصعيدية ذاتها، فلن يكون مستبعدًا أبدًا أن تصدق نبوءاتهم.. بيد أن الباب يبقى مع ذلك مفتوحًا «مواربًا»، للأنباء السارة.
مبتدأ الجملة الخبرية الشرق أوسطية، ما تشهده مفاوضات فيينا حول برنامج إيران النووى، من انسدادات، فالمفاوضات متوقفة منذ أواسط مارس الفائت، ولغة الاتهامات والتهديدات، باتت تطغى على التصريحات المتفائلة التى انتعشت مطلع العام الجارى، وإسرائيل تقف متوعدة بالتصرف منفردة ضد إيران، باتفاق أو من دونه، فيما حربها على المنشآت والعلماء والقادة الأمنيين الإيرانيين، لا تكاد تتوقف.
حتى الآن، لم تصدر الأطراف المتفاوضة «شهادة وفاة» لاتفاق 2015، رغم أنها لا تتردد فى الإشارة إلى حالة «الموت السريرى» للاتفاق، وتتحدث عن إيداعه «غرفة العناية الفائقة» لا رغبة للأطراف ولا مصلحة لها فى انهيار المفاوضات وانسداد طرق الدبلوماسية، فهى تعرف تمام المعرفة أن البديل عن ذلك، هو الذهاب إلى الخيارات الخشنة، من «أقصى العقوبات» إلى الخيارات العسكرية، وسط قناعة راسخة لدى الأطراف، بأن المواجهة إن اندلعت مع إيران، لن تقف عند حدودها، بل ستتخطاها إلى ساحات وميادين أبعد، تحظى فيها إيران بنفوذ بارز، بدءًا من اليمن وليس انتهاء بلبنان، مرورًا بسوريا والعراق وغيرهما.
• • •
وحدها إسرائيل تبنى خياراتها بمعزل عن «باروميتر فيينا»، وهى قررت نقل استراتيجيتها، «من ضرب أذرع الأخطبوط إلى استهداف رأسه»، ولم تعد تبالى بالكشف عن عملياتها فى العمق الإيرانى، بل والتصريح والتلميح إلى مسئوليتها عن هذه العمليات، وهى تمضى فى استكمال استعداداتها لتوجيه ما تعتبره «ضربة قاصمة» للعمود الفقرى لبرنامج إيران النووى والصاروخ.
ولا تتوانى حكومة نفتالى بينيت، عن تصعيد ضرباتها ضد «الأذرع» و«الأطراف».. حربها فى سوريا وعليها، تتخطى قواعد الاشتباك وتجتاز الخطوط الحمراء التى ارتسمت طوال الأعوام الماضية، مسجلة ارتفاعًا فى عدد ونوعية الضربات الجوية والصاروخية فى العمق السورى، تضرب ميناء اللاذقية مرتين، وعلى مبعدة كيلومترات قلائل من قاعدة حميميم، وتخرج مطار دمشق عن العمل لأول مرة منذ تدشينه قبل عقود. الاستباحة الإسرائيلية للسماوات السورية، لم تعد تقف عند حد، وهى تترك النظام فى دمشق فى حالة حرج مع شعبه، خصومه وأصدقائه، وتترك شرخا يزداد اتساعًا فى جدران الثقة بين العاصمة السورية وحليفها الروسى من جهة، وبين أهم حليفين لها إقليميًا ودوليًا: روسيا وإيران من جهة أخرى.
لا يقف الأمر بإسرائيل عند هذا الحد، فعملية تكسير المعادات وقواعد الاشتباك، يجرى اختبارها فى غزة، وحكومة بينيت تقرر المضى بـ«مسرية الأعلام» متوعدة بحرق غزة، إن أطلقت «حماس» صواريخها، وتحشد حملة ضغوط قصوى على الحركة، انتهت إلى بلع قادة الحركة لتهديدهم ووعيدهم، فيما المسيرة الاستفزازية، كانت تشق طريقها فى قلب الأحياء العربية والإسلامية للقدس الشرقية المحتلة عام 1967.
وفى لبنان، حيث الساحة التى تراعى فيها إسرائيل أعلى درجات ضبط النفس، تقدم حكومة بينيت على إرسال سفينة التنقيب عن الغاز إلى الخط 29 على الحدود البحرية مع لبنان، مجازفة باستفزاز حزب الله، الذى خرج أمينه العام متوعدًا بالذهاب إلى حرب، لا يريدها، ولكنه مستعد لها إن فرضت عليه، كما قال فى آخر خطاب له.. ولولا استئناف واشنطن مساعيها للتهدئة على جبهة الحدود البحرية، لربما كانت الحرب قد اشتعلت، ولكان الإقليم برمته، قد دخل فى مرحلة جديدة نوعًا ما، ولربما راقب العالم من مقاعد المتفرجين، كيف ستفى إسرائيل بوعدها إعادة لبنان للعصر الحجرى، وكيف سيفى حزب الله بوعده، بتدمير الجبهة الداخلية على رءوس ساكنيها، الذين هم غالبية الإسرائيليين.
• • •
إسرائيل تسابق الزمن، فهى تريد توظيف انسداد المفاوضات مع إيران، لمنع الوصول إلى اتفاق ترى فيه تهديدًا وجوديًا لأمنها على المدى المتوسط والبعيد، وهى تسعى لاستنفاد فرصة أوكرانيا حتى آخر قطرة، فموسكو الغارقة فى أتون الحرب والعقوبات غير المسبوقة، ليست بوارد الاشتباك مع إسرائيل فى سوريا، ولا هى بصدد فتح جبهة جديدة على جبهة الحدود مع تركيا شمالا، سيما وأن الأخيرة كإسرائيل، تريد استنفاد فرصة الغرق الروسى فى رمال أوكرانيا المتحركة، لتحقيق حلمها مع القديم ــ الجديد بتدمير أى كيانية كردية فى شمال سوريا، وبناء حزام أمنى على امتداد حدودها مع سوريا.
لقد نجحت زيارة بينيت لموسكو، والقناة الدبلوماسية النشطة بين القيادتين الروسية والإسرائيلية، فى تجديد اتفاق الجنتلمان الناظم للعلاقات بين الجانبين فى سوريا، فلا موسكو بوارد التصدى للطيران الحربى الإسرائيلى، ولا إسرائيل بوارد تعريض الوجود العسكرى الروسى للخطر، وبخلاف ذلك، لن تفعل موسكو أكثر من إصدار البيانات «غرى المتفهمة» للعمليات الحربية الإسرائيلية، والمنددة بها حين تكسر خطا أحمر، أو تلحق ضررا فادحًا بالحليف السورى، أما «الصديق الإيرانى» فلا عزاء له فى الكرملين.
• • •
يبقى السؤال حول قدرة النظام وحلفائه فى طهران، وما يتبعهما من ميليشيات على ابتلاع الصدمات والصفعات المتمادية من دون رد أو تحريك ساكن.. وما الذى سيتبقى من صدقية أطراف هذا المحور، إن هو اكتفى بإطلاق التهديد والوعيد من دون أن يتبع أقواله بالأفعال، ومن دون أن يأتى بردود أفعال تنسجم مع الأفعال الإسرائيلية من حيث حدتها وعمقها والنتائج المؤملة المرتبة عليها، فى الداخلين الإيرانى والسورى على حد سواء.
لكن يبدو أن إسرائيل أكثر اطمئنانا للحدود المتواضعة لردود أفعال هذه الأطراف، وواثقة من قدرتها على احتمالها واستيعاب تداعياتها، طالما أن كلفها فى أسوأ الأحوال، لا تتخطى حدود توجيه إنذارات مواطنيها بعدم السفر إلى وجهات معينة، أو توخِّى الحذر عند زيارة دول بعينها، أو العودة إلى المنزل فى أسرع وقت، إن كان وراء الأكمة ما وراءها.
إن ظل منسوب المواجهة بهذه الحدود وعند هذا المستوى، يصعب التنبؤ بصيف ساخن، أو قبول هذه النبوءة المتشائمة من دون تحفظ، لكن مخاوف الخبراء والمحللين تذهب أبعد من ذلك، وتحديدًا على مسارين اثنين: الأول؛ لبنان، فأى مواجهة محدودة أو سوء تقدير، أو انسداد فى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، يمكن أن يفيض إلى حرب شاملة بين الحزب وإسرائيل، ويمكن أن تفيض هذه الحرب إلى تسخين جبهات وخطوط تماس أخرى، من غزة إلى الجولان، مثل هذا السيناريو، تأخذه إسرائيل على محمل الجد، وحزب الله، هو الطرف الذى تحسب له إسرائيل الحساب أكثر من غيره. والثاني؛ إيران، كأن تتوجه الطائرات الإسرائيلية لتنفيذ هجمات مباشرة فى العمق الإيرانى، ملحقة ضررا فادحًا بالمنشآت النووية الإيرانية، عندها ستصبح شعارات ووعود النظام الإسلامى، وصدقيته بأكملها على محك خطرى، وعندها يصبح الرد الإيرانى المباشر على إسرائيل ضرورة لبقاء النظام، وقدرته على الاستمرار.. ولا شك أن سيناريو كهذا يمكن أن يفتح باب الجحيم، ليس على الطرفين المتحاربين فحسب، بل وعلى دول أخرى عديدة.
من دون الانزلاق إلى أى من هاتين الحفرتين، ستشهد المنطقة، صيفًا آخر، حرارته مرتفعة بلا شك، بيد أنه لن يكون لاهبا أو حارقا، وليس ثمة ما يشى حتى الآن على الأقل، بأن طريق الدبلوماسية قد سُد تمامًا سواء أمام الاتفاق النووى بين إيران والمجتمع الدولى، أو مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. لكن مرور الوقت، لا يعمل لصالح الدبلوماسية، ويسهم فى رفع منسوب الصخب والضجيج الناجمين عن قرع طبول المواجهة.. إنه سباق «ربع المتر الأخير» بين الحرب والدبلوماسية.
النص الأصلى من هنا