ثورة يوليو وأمور أخرى
أحمد ماهر
آخر تحديث:
الأحد 26 يوليه 2009 - 10:26 م
بتوقيت القاهرة
(1)
سيظل الاحتفال بثورة 23 يوليو وبزعيمها وقائدها جمال عبدالناصر يوما يحمل من المعانى الجميلة والنبيلة ما لم تستطع حملات الهجوم الشرسة والتشويه الذى اختلط فيه نقد بعضه مبرر موضوعيا والبعض الآخر نتيجة جروح آلمت وأخطاء ارتكبت ومصالح تأثرت، أما الباقى فهو نتاج أحقاد ترفض التغيير خاصة إذا مس امتيازاتها.
وليس هناك من يستطيع أن يدعى أن الثورة وزعيمها منزهان عن كل سوء، ولكن لا يستطيع أحد كذلك أن يدعى أن الثورة لم تكن رد فعل حقيقيا لأوضاع تردت بعد أن أوصلت الأمور كفاح المناضلين المخلصين إلى مستنقعات كادت ثمرات الحركات الوطنية المتتالية تغرق فيها، أقول هذا ولست ولم أكن أبدا من محاسيب الثورة، بل إنى فى بداية عملى فى وزارة الخارجية تعرضت لمواقف كادت تعصف بمستقبلى المهنى بدعوى انتمائى لعائلة إقطاعية مع أنى لا أعرف فى عائلتى إقطاعيين، ولم أعرف إلا وطنيين ناضلوا وكافحوا فى إطار حركة وطنية شريفة ونبيلة، وأعتقد جازما أن ثورة 1952 كانت نوعا من التتويج لكفاحهم فى ظروف أدخلتهم السجون وقربتهم من حبل المشنقة قبل أن يصلوا بعد ذلك إلى كراسى الحكم.
وقد نقلت ثورة جمال عبدالناصر مصر من عهد إلى عهد، حررت الأرض وحررت زارعها، وبنت نهضة صناعية عتيدة، وفتحت أبواب التعليم للجميع، وأوجدت شبكات من العلاقات العربية والأفريقية والدولية جعلت منها منارة، وليس معنى ذلك أن أخطاء ــ بعضها فاحش لم ترتكب، فإن بعض مواكب النصر تاهت فى وحل هزائم، وبعض النوايا الحسنة اختلطت بأطماع وأهواء أفسدت بعضها التى كانت تحاول أن تستجيب لطموحات شعب يبحث عن الحرية والإخاء والمساواة، الثورة خلقت ثروة وحاولت أن توزعها وليس صحيحا أنها وزعت أو حاولت أن توزع الفقر، ولولا إصلاحاتها لما وصل الكثيرون من يحملون لواء توجيه السهام إليها اليوم إلى ما وصلوا إليه من علم ومركز وأيضا ثروة، ويبقى الخطأ الأكبر للثورة هو أنها لم تنتهز فرصة التفاف الشعب حولها لكى تبنى حياة سياسية قائمة على الديمقراطية فتأخرنا فى هذا المجال مع ما ترتب على ذلك من نتائج سلبية لأنه ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، ومع كل ذلك فقد شاهدنا نهضة ثقافية وفنية فى غاية الثراء مازلنا نذكرها بكل الاعتزاز.
وإذا كان التعليم يعانى اليوم من مشكلات فليس ذلك نتيجة لمجانيته التى فتحت أبوابه للجميع بل لعدم العناية بالجوهر فخلقنا فى ذهن البعض تناقضا هو غير حتمى بين الحكم والجودة.
هذه بعض أفكار مرت على ذهنى فى هذه الذكرى التى نعتز بها وبما حققته مما يستوجب الاستمرار فى البناء عليه مع ما قد يحتاجه الأمر من تعديل دون أن نتنكر لحلقة من حلقات تاريخنا الذى لم يبدأ فى 23 يوليو ولم ينته أبدا فى تحركنا المستمر نحو الأفضل.
(2)
فجعتنى الجريمة البشعة التى راحت ضحيتها الشهيدة مروة الشربينى ولكنى للحق لم أرتح لإطلاق اسم شهيدة الحجاب عليها، بل هى شهيدة تيارات عنصرية متنامية تستحق اهتماما أعمق، ولست وحدى الذى نظر إلى المسألة نظرة أوسع من مسألة الحجاب فقد تلاقت نظرتى مع مقالات كثيرة قرأتها للدكتور عبدالمنعم سعيد والدكتور عمرو الشوبكى والسيد وائل عبدالفتاح والصديق العزيز جمال الغيطانى وغيرهم ممن أجمعوا على أن الأمر مختلف وأعمق مما كتب عنه ــ وقبل أن أتحدث عن مسئولية الحكومة الألمانية، فإنى أتوقف عند مسئولية من يساهمون منا فى نشر صورة سلبية بتصرفات تنسب اسما للإسلام وهى بعيدة عن جوهره، لأنه دين السماحة والحوار وليس التخوين والتهديد، وأنا فى ذلك أتفق مع الدكتور عبدالمنعم سعيد فى ضرورة إيجاد جبهات عربية وأوروبية وإسلامية مع كل الديانات الأخرى لرفض التعصب والتشدد والغلو والتمييز بين البشر، والحقيقة أن ما يجرى حاليا تحت عنوان حوار الحضارات والأديان لا يتجاوز شكليات فى اجتماعات تسود فيها المجاملات بين شخصيات مرموقة، ولا تتعرض لجوهر الموضوعات. وأما عن مسئولية الحكومة الألمانية فهى واضحة وأكيدة لأن ما حدث كان فى المقر الرسمى للمحكمة وأن رد فعل رجل الشرطة الذى تدخل متأخرا لم يوجه إلى الجانى بل إلى زوج الضحية بغير مبرر اللهم إلا أن يكون تصور أن الجانى لا يمكن إلا أن يكون عربيا.
وهذه المسئولية تستدعى من السلطات الألمانية أن تتخذ مواقف مثل ما تتخذه إزاء من يمارس أنواعا من العنصرية المؤثمة لديهم مثل العداء للسامية وذلك يحتاج إلى جهد ليس فقط قانونيا بل تعليمى وتثقيفى حتى ينتهى رفض الآخر فى مجتمع أصبح متعدد الأجناس والثقافات.
(3)
هل هناك ظلم وبغى أكثر من أن تمتنع إسرائيل عن إعطاء تصريحات بناء للعرب فى الأرض المحتلة، فإذا بنوا رغم ذلك لضرورات السكنى أمرت بإزالة المبانى، وفرضت عليهم غرامات باهظة إلا إذا قاموا هم أنفسهم بهدم بيوتهم والمبيت فى العراء مجبرة إياهم على نوع من الانتحار.