البرادعى.. وطائر النورس
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الإثنين 26 يوليه 2010 - 10:08 ص
بتوقيت القاهرة
جوناثان ليفينجستون هو طائر النورس الحر فى رواية ريتشارد ياخ ذائعة الصيت التى ظلت تحتل المركز الأول فى قائمة الكتب الأكثر مبيعا لمدة عامين على التوالى ومازالت تطبع ويعاد طبعها منذ أربعين عاما.. وهى تحكى قصة طائر صغير من طيور النورس تمرد على أسلوب قطيعة فى الحياة وقرر أن يحلق عاليا فى الفضاء ويجرب فنون الطيران السريع بدلا من القنوع بالطيران المنخفض حول السفن انتظارا لما تلقيه فى البحر من فتات البقايا وفضلات الطعام كما يفعل أقرانه فى القطيع صباح كل يوم.
اكتشف ليفينجستون أن لديه طاقات كامنة لا تحتاج إلا أن يجربها ويصقلها بالمران.. واكتشف السعادة الغامرة فى الحرية التى اكتسبها أو استعادها.. واكتشف أن هذه الحرية لم تمنحة فقط السعادة المعنوية بل منحته طعاما أفضل كثيرا مما تلقيه السفن من فضلات.. فقد أصبح بإمكانه من خلال الطيران السريع وفنون الانقضاض.. أن يصطاد أسماكا طازجة لم يحلم بها شيوخ القيطع...شىء واحد كان ينغص عليه حياته الجديدة.. هو عدم فهم القطيع له ولأهدافه بل سوء الظن به.. وقد تنامى سوء الظن هذا حتى جاء يوم تحلقت فيه الطيور فى دوائر على رمال الشاطئ ثم طلب منه شيخ القطيع أن يقف فى مركز الدائرة الداخلية.. كان يعلم أن هذا يعنى أحد أمرين.. إما تكريمه للمهارات التى اكتسبها وإما إنزال العقاب به لتمرده..
وقد كانت الثانية فقد قام رئيس القطيع خطيبا وأعلن أن جوناثان قد تمرد على التقاليد وحاول نشر أفكاره الهدامة التى تدعو إلى ترك المألوف من عادات الآباء والأجداد والانطلاق بلا قيود إلى طبقات الجو العليا أى إلى المخاطر والمجهول بدلا من الاستقرار واستمرار الآمن المألوف.. الأمر الذى يشكل خطرا على أمن القطيع واستقرار الأوضاع ولذا فقد استقر الرأى على طرد جوناثان ليفينجستون من القطيع والتنبيه عليه بعدم العودة إليه أبدا وأطلق الجميع صيحات التأييد وحلق جوناثان مبتعدا عن القطيع.
سرعان ما هدأت النسمات الباردة من طبقات الجو العليا من غضبة ومشاعر الكراهية التى اجتاحته.. إنه لا يكره القطيع بل يحبهم جدا فردا فردا ولكن يكره لهم معيشة الخنوع والمذلة وعدم استخدامهم لمقومات الحرية التى أودعها الله فيهم.. يعيشون على فضلات السفن بينما لو استخدموا أجنحتهم ومهاراتهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولذاقوا طعم الحرية التى لا يعادلها شىء.. إن أشد ما يؤلمه من الابتعاد عن القطيع هو علمه أن هناك الكثيرين من شباب القطيع يتوقون للحرية ولا يعرفون السبيل إليها.. إنه مستعد أن يساعدهم.. ولكن كيف؟ آه.. التدريب.. إنه مستعد أن يدربهم حتى يكتسبوا نفس مهاراته.. يكفى واحد أو اثنين فى البداية.. استراح جوناثان لذلك وعقد العزم على العودة إلى القطيع والاتصال بواحد أو اثنين ممن يتوسم فيهم الرغبة فى سلوك طريق الحرية.. ولن يصيبه أى أذى فهو محمى بسرعته فى الطيران التى لا يدانيه فيها أحد.