علقـة رمضـان
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الخميس 26 يوليه 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
يعلمنا التراث ومجريات الأمور أن حياة المواطن «مصرى» ما هى إلا مجموعة «عُلَق» فوق بعضيها، من علقة الشقاوة عند نعومة أظافره، لعلقة الشهادة آخر كل تيرم، لعلقة الثانوية العامة اللى هى علقة جسدية ومعنوية يتآمر فيها النظام الكونى كله عليه، ثم علقات الجامعة المتتالية اللى أكثرها بتبقى معنوية مش أكتر من كده. وبعد ما يتخرج المواطن «مصرى» ويشتغل ويتجوز، يظن متفائلا إن زمن العُلَق انتهى، لكن هيهات، يكتشف إن كل اللى فات من حياته ده كان مجرد تمهيد للمعارك الأكبر اللى هيخوضها قدام، بداية من علقة مصاريف الزواج، مرورا بعلقة مصاريف الولادة انتهاء بعلقة المصيف ودخول المدارس ولبس العيد، باختصار إحنا شعب تخصص فى إنه يحول كل مناسبة حلوة لأزمة..
أولا لأننا بقينا بنقيم احتفالنا بالمناسبة ودرجة فرحنا بيها بمقدار الفلوس اللى صرفناها فيها، لوالفرح ما اتكلفش عدد محدد من الآلافات يبقى مش فرح، لوشقة الزوجية ماكانتش كاملة من الإبرة للصاروخ ما تبقاش شقة، لولبس العيد ما تعداش عدد معين من القطع ما يبقاش لبس عيد، لومصاريف المدرسة ماكانتش قاطمة وسطنا تبقى أى كلام، لوالمصيف ما كلفناش حصيلة 3-4 جمعيات يبقى كأن لم يكن.
ثانيا إحنا شعب بيتلذذ إنه يكلف نفسه فوق طاقته ظنا منه إن هى دى الطريقة الوحيدة عشان الدنيا تتعاش، مبالغات جديدة على المواطن «مصرى» اللى كانت لمته هووعيلته كفاية عشان يحسوا كلهم بالسعادة والرضا فى أى مناسبة من المناسبات، استقبالنا للشهر الكريم برضه للأسف طالته نفس المبالغات. زمان كانوا تمرتين فى شوية لبن وعليهم 4-5 زبيبات وقت الفطار وصينية الكنافة البيتى المحشية سودانى وسكر ورشة جوز هند والفانوس أبوشمعة وزينة رمضان اللى بنعملها من ورق الكراسات. الحاجات البسيطة دى كانت كافية إنها تحسسنا بالشهر وبتميزه، ضيف على كده مسلسلين وفوازير وألف ليلة وليلة والقضاء فى الإسلام قبل الفجر وكنا بنقول إيه الزحمة دى ؟وليه التبذير ده كله ؟ ونشتكى إن الحاجات دى من كترها ما بتحسسناش بروحانيات الشهر والمقصود منه وحكمة وجوده اللى أنعم بيها ربنا علينا.
قارن بأه الأيام دى باللى حاصل دلوقت، تجيهزات رمضان لوحدها أصبحت بند بتحوشله أسرة المواطن «مصرى» قبلها بشهور، الفانوس الصينى والكاجو الهندى والمشمش السورى والزبيب التايلاندى والصنوبر اللبنانى والجوز هند التركى والعزومات العائلية اللى لازم يبقى فيها أكل بواقيه بس تكفى جوعى أثيوبيا والصومال لو وصلهم بدل ما يترمى فى الزبالة، ده غير الخيم الرمضانية وسهرات الشيشة الله يجازى اللى اخترعهم ويديله على قد نيته.
وحتى لو ابتعدنا عن الماديات نلاقى إن رمضان أصبح علقة حتى للحواس.. النفوس اللى المفروض تستنى رمضان من السنة للسنة عشان تشحن بطارياتها الإيمانية من أول وجديد، بتستخدم كل طاقتها لحفظ تفاصيل المسلسلات الـ120 اللى بتتسابق على جذب انتباه المشاهد اللى بأه فى مهمة رسمية كل ليلة عشان يقدر يفرق بين مين اتجوز مين ومين اتطلقت من مين ومين القاتل ومين المقتول فى كمية مسلسلات لو اتوزعت على السنة كلها كانت برضه هتعمل زحمة ما بالك بتكديسها فى شهر واحد أكنه الشهر اللى الناس بتطلعلها فيه عيون أما بقية أشهر السنة فبيفقدوا فيها القدرة على الإبصار. الخلاصة إن رمضان تحول ــ زى ما مناسبات كتير فى حياتنا اتحولت ــ لعبء على كاهلنا أفقدنا القدرة على الإحساس بيها وبحلاوتها بشكل كامل أو الاستفادة منها أقصى استفادة تمكننا إننا ننعم على نفسنا بلحظات سعادة وسمو تساعدنا على تحمل أعباء الحياة، لكن رغم شكوتى واعتراضاتى وأمنياتى إن الأحوال ترجع لبساطة وهدوء زمان، بعيد عن الإجهاد والأعباء والعُلَق، أظن انت متفق معايا إن علقة رمضان هتفضل دايما هى أحلى علقة فى السنة.. كل سنة وانتوا طيبين!