«وش القفص»
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 يوليه 2022 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
شاهدت فيلم «وش القفص» الذى أخرجته الدكتورة دينا عبدالسلام وكتبته أيضا بالمشاركة مع الدكتور أشرف مهدى وتذكرت شاعرنا الكبير فؤاد حداد وبقيت أردد بيته الجميل «أتارى إن الفن ماهوش ساهل، طيره ما يحطش على جاهل».
ودينا لمن لا يعرفها تعمل أستاذة للأدب الإنجليزى بكلية الآداب جامعة الإسكندرية قدمها لى قبل سنوات كاتبنا الكبير إبراهيم عبدالمجيد وأهدت لى عملها الأدبى الأول «نص هجره أبطاله» الذى نشرته دار بيت الياسمين.
وإلى جوار عملها الأكاديمى وانشغالها بالأدب والتدريس قدمت دينا الكثير من الأفلام التى شاركت فى مهرجانات دولية ونالت العديد من الجوائز ومنها «مستكة وريحان»، و«ألف رحمة ونور» أما أشرف مهدى شريكها فى التجربة فهو أكاديمى وممثل من خريجى الفنون الجميلة وأحد أفراد فرقة اتيليه المسرح المعروفة فى الكلية والتى قدمت مواهب عديدة منها «ماجد الكدوانى، بيومى فؤاد، ودنيا ماهر والمخرج تامر محسن والكاتب والمخرج محمد عبدالخالق وآخرين.
لا يمكن لمن شاهد فيلم «وش القفص» الذى تم عرضه فى الدورة الأخيرة لمهرجان الاسكندرية وأخيرا فى ليلتى عرض قدمتا بمعهد جوتة والجامعة الأمريكية بالقاهرة إلا أن يتساءل: لماذا يقدم صناعه هذه المغامرة الانتاجية فى توقيت صعب؟
الاجابة الوحيدة تلخصها كلمة واحدة هى «الشغف» وربما الايمان بما لديهم من أسباب للعيش.
وحده الايمان الذى يبرر هذا النوع من المغامرات التى قد تنتهى بأصحابها إلى الجنون لكنهم على استعداد لتأدية ثمن إخلاصهم وبفضل هذا الإخلاص ولد هذا الفيلم الملىء بـ«المتعة الخالصة» التى تخالف كل أنواع المنطق وتخلق لنفسها منطقا مغايرا.
الفيلم تم إنتاجه بميزانية محدودة جدا دبرها صناعه، بعد أن فشلوا فى اقناع أى جهة بتقديم تمويل لأنهم لا ينتمون إلى شبكات المصالح التى تحكم الوسط السينمائى سواء كان تجاريا أو جاء من شبكة موازية تشكلت بكل أسف حول القطاع الثقافى المستقل.
نعم يفتقر الفيلم لوجود النجوم والوجوه المعروفة لكن لا يفتقر للمواهب التمثيلية المدهشة التى لعبت جميع الأدوار وأغلبها من الإسكندرية وتقف أمام الشاشات لأول مرة.
وبفضل هذه الطزاجة يمكن تفسير ما يشعر به المشاهد من حيوية وألفة تجعله متورطا فى علاقة انتماء مع هؤلاء الذين يخوضون معاركهم مع الحياة.
يسعى أبطال الفيلم لتدبير شئونهم اليومية والتحايل على أزماتها فى الحكايات التى نتابعها الكثير من الفانتازيا والغرائبية المقبولة التى تقوم على المبالغة أحيانا كما فى فن الكاريكاتير.
وعبر الشريط نتعرف على مجموعة من العاملين فى شركة لصناعة المربى تأسست عند بداية القرن لكنها لم تصمد أمام غزو الماركات التى جاء بها الانفتاح ومع ذلك احتفظت بعدد محدود من الموظفين يديرون شئونها وتحت ضغط الحاجة يفكرون فى عمل «جمعية» لتدبير حلول عاجلة وهينة لحاجات تطرأ عليهم.
ومعروف طبعا ما الذى تمثله (فكرة الجمعية) للطبقة الوسطى فهى أداتها الوحيدة للنجاة من السقوط ووسيلتها الوحيدة للعيش الآمن.
وداخل هذه الفكرة الذكية تتولد العديد من المفارقات الساخرة والتى لا تخلو من الألم أيضا وينتهى الفيلم بجنازة حيث تموت السيدة التى (قبضت) الأسم الأول فى الجمعية وداخل الجنازة يكتشف المشاركون ورطة القادم من الأيام ويتحول مشهد النهاية لاغتصاب لكل محتويات شقة المتوفاة ويتحول هؤلاء إلى «غزاة».
فى ندوة أدرتها بمعهد جوتة قالت دينا عبدالسلام إنها خاضت رحلة طويلة امتدت لشهور مع فريقها بأمل العثور على منحة إنتاجية لاستكمال المشروع معتمدة على سجل وافر من الجوائز نالتها أفلامها السابق لكنها لم تنجح فى ذلك، كما لم تنجح أيضا فى إقناع من يديرون منصات العرض الرقمى لإتاحة الفيلم وتقديمه لجمهور أوسع بعد أن نال 27 جائزة دولية خلال أقل من عام
وطرح الروائى الصديق سعد القرش سؤالا كاشفا وقال: كيف لم يقنع هذا السجل أحدا بعرض الفيلم أمام جمهور أوسع وخص سينما «زاوية» التى تحرص على احتضان هذه النوعية من الأفلام وقد شاهدنا فيها الكثير من الأفلام التى لا يمكن مقارنتها أبدا بمستوى هذا الفيلم؟ وعلى الرغم من الإجابة التى قدمها صناعه يبقى الأمل فى فرصة يمكن أن يحظى بها الفيلم فى المستقبل.
وإلى أن يحدث ذلك يكفى صناعه أنهم قدموا عملا فنيا راقيا وحرا بلا قيد أو شرط، وطازجا مثل كل ما يأتى من «وش القفص».