اختطاف رمضان
سلامة أحمد سلامة
آخر تحديث:
الأربعاء 26 أغسطس 2009 - 5:22 م
بتوقيت القاهرة
لم يعد شهر رمضان كما كان قبل سنوات قليلة، شهر عبادة وخشوع أو استرجاع ومراجعة. بل أضحى مناسبة لملء البطون ودعوة مجانية لحشر العقول، والاكتفاء بفتات من الأقوال والحوارات التافهة، ثم الهرولة إلى المسجد لإكمال مظاهر شكلية للتدين.
ولابد أن تكون الأجيال الجديدة قد وقفت بمشاعرها على أبواب هذا الشهر الكريم، كما تقف على أبواب «مدينة الملاهى» التى امتلأت بالعجائب والغرائب من أسباب التسلية والألعاب والمسلسلات والأغانى، وهى مفتوحة للجميع ليل نهار بغير حساب.. الأمر الذى لفت أنظار الكثيرين ــ وبالأخص من الجيل السابق ــ إلى حجم التغيير الذى طرأ على المجتمع، فأفرغه من كثير من أسباب المتعة الروحية والتسامح الدينى. وجعل كل شىء فى رمضان سلعة قابلة للعرض والبيع والشراء. أبطاله من الممثلين والممثلات، والراقصين والراقصات ودعاة القنوات التليفزيونية.
هل تغيرت طقوس رمضان وعاداته بتغير الأزمان والقرون؟ وهل تغير المجتمع المصرى فى القرن الواحد والعشرين أو ما قبله؟
الأمر المؤكد أن موجة العولمة التى اجتاحت كل شىء فى العالم، قد أحدثت تغيرات عميقة فى النظرة إلى الدين والتدين، وفى العلاقة بين المسلم والمسجد، وفى درجة التسامح التى تربط بين المسلم والمسيحى، فضلا عن موقف الدولة التى حاولت أن تتدخل فى كل شىء، وواجهت مقاومة من المجتمع الذى بات يتطلع إلى ممارسة حريته فى شتى المجالات حتى من المؤسسة الدينية.
ومع ثورة المعلومات والانفجار الهائل فى صناعة السينما والإلكترونيات، فقدت الدولة سيطرتها على كثير من أدوات التأثير فى المجتمع.. وأصبح التليفزيون والفضائيات ووسائل الاتصال من أقوى وسائل التأثير التى ضاعفت من توقعات الناس ومطالبهم.
ونتيجة لذلك، شهدنا ظواهر رمضانية مستحدثة لم تكن معروفة من قبل، لعل من أهمها نجاح المسلسلات فى اختطاف رمضان، وتحويل اهتمامات الناس إلى مجالات اللهو والمتعة. فالأرقام التى ذكرت عن عدد المسلسلات التى عرضت، والخلافات التى نشبت بين ما هو حصرى وغير حصرى، والملايين التى أنفقت كأجور للمثلين والممثلات، والتى أدخلتهم فى فئة المليونيرات.. قد أعادت فى الأغلب ترتيب الطبقات فى مصر من حيث لا يدرى أحد. وخلقت طبقة تتجاوز فى تأثيرها تأثير الجامعات والمدارس والأدباء والمفكرين. وقد قرأت واستمعت إلى حوارات من أساتذة وصحفيين يستشهدون بعبارات ترددت على لسان الممثلين الكبار فى أفلام ومسلسلات.. أنت لا تسمع قولا مأثورا لشكسبير أو لشاعر عربى مثل شوقى أو المتنبى، ولكنك تسمع أقوالا مأثورة لنجيب الريحانى أو إسماعيل ياسين وفريد شوقى.
لم يكن اختطاف رمضان عن طريق المسلسلات والسيت كوم وغيرها من مواد التسلية والترفيه التى تفتقد إلى المضمون ويستغرق المشاهد ساعات بعد ساعات أمام شاشة التليفزيون، فى حوارات هابطة، وفى أحداث تكون عادية خالية من المغزى، تكركر فيها الشيشة أو يتبادل فيها سجاير الحشيش، وكلما جرت أحداث المسلسل فى بيئة وضيعة مغموسة بالفقر، نالت استحسان الجمهور ووصف بالواقعية.
ليس غريبا أن يرتبط رمضان فى خيال الناس وممارساتهم بموائد الرحمن التى تختلط فيها الفشخرة بادعاء التقوى، وتنطوى على ازدراء بكرامة الفقراء. وأذكر فى صباى كيف كانت دعوة الصائمين والعابرين وأبناء السبيل تتم بأكبر قدر من الستر والمواراة وعدم التفاخر.
تظل المحافظة على كرامة الناس من الفقراء والمحتاجين وغيرهم، من أهم ما تنهض به المؤسسات الدينية ودور العبادة، وتقوم الكنائس فى الدول الأوروبية بهذه المهمة وتحصل على المساعدات من الطعام من ذوى اليسار من التجار والأثرياء. وهى مهمة كان من المفروض أن تقوم بها المساجد فى بلادنا التى تخلت عن دورها الاجتماعى.
فإذا قارنا موائد الرحمن مهما تكن عيوبها بشنط الوطنى، التى تستخدم لأغراض سياسية، فلابد أن نعترف بأن موائد الرحمن أهون وأقل مساسا بكرامة الإنسان وأكثر احتراما وتوقيرا لشهر رمضان!
هل معنى ذلك أن شهر ر مضان قد اختطف نهائيا لحساب الباحثين عن التسلية وإزجاء وقت الفراغ فى ساعات الصيام؟ لا توجد إجابة قاطعة.. فقد يأتى الوقت الذى تتوازن فيه الحاجات والمطالب، والتدين الحقيقى والتدين الزائف.. وعندما يرتفع الوعى المصرى نتيجة ارتفاع مستوى التعليم وتحسن الحالة الاقتصادية والسياسية، فلابد أن يرتفع بالتالى المستوى الثقافى لوظيفة الترفيه، ويدخل العقل إلى ساحة التدين!