نـوافـذ العودة المستحيلة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 26 أغسطس 2015 - 5:00 ص
بتوقيت القاهرة
هناك رهان مستبطن فيما سمى ثورات الربيع العربى، وبالتحديد الثورة المصرية، أن فى الإمكان عودة عقارب الساعة إلى الوراء، بحيث تتحول ثورة 25 يناير – على اعتبار أن القوى السياسية الحالية لا تختلف على 30 يونيو، إلى مجرد إشارة فى الدستور أو مجرد ذكرى يمكن محوها مستقبلا فى أى تعديل دستورى. أصحاب هذا الرهان، والذين تتعدد نواياهم، يغفلون حقيقة مهمة، أن التحولات التى تحدث فى حياة الشعوب تترك بصمات، بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف على مضمون التحولات ذاتها.
الأيام الماضية حملت الكثير تحولات تثبت أن عقارب الساعة يصعب عودتها إلى الوراء.
انتفاضة الموظفين ضد قانون الخدمة المدنية، واستعادة التظاهر فى قلب القاهرة الذى غاب لأكثر من عامين، ثم التلويح بمظاهرة مليونية، ذلك المصطلح الذى لم يعد يستخدم، وبصرف النظر عن رأيى، يشاركنى فيه كثيرون، بأن القانون ينطوى على بنود جيدة، ويمثل خطوة على طريق الإصلاح الإدارى لا يصح الانصياع فيه لرأى قطاع من موظفى الدولة الذين لا يشغلهم سوى الامتيازات، فإن الاحتجاج ذاته بالتظاهر من جانب موظفى الدولة، يشير إلى أن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود للوراء.
حدث آخر هو اعتصام بعض أمناء وأفراد الشرطة فى الشرقية، وإغلاقهم مبنى مديرية الأمن. مرة أخرى، بصرف النظر عما إذا كانت بعض أو كل مطالبهم مشروعة من عدمه أو كان ورائهم محركات سياسية أم لا، فإن فى الموقف ذاته دلالة مهمة، إن الاحتجاج فى مواجهة السلطة هو إحدى الآليات المتبعة فى الممارسة السياسية.
إلى جانب هذين الحدثين، فإن الاحتجاجات الفئوية وبعض التظاهرات الطلابية، ومنها مظاهرات طلاب الثانوية العامة ضد وزير التعليم، ووجود شباب يريدون التظاهر فى حرم الكاتدرائية، ويطلبون تصريحا من الداخلية بذلك، أيا كانت مطالبهم، ومدى مشروعيتها، فإن الأمر الواضح أن استخدام آليات الاحتجاج الجماهيرى فى مواجهة السلطة من اعتصام وإضراب وتظاهر وما شابه، صارت جزءا من الممارسة السياسية، رغم التضييق على المجال العام، وهو ما يثبت أن الثقافة السياسية تتغير، والناس تتعلم، وتغير من أساليبها، ويصعب أن يعود المجتمع للوراء بعد أن يكون تقدم لخطوات.
فى المظاهرات التى يقوم بها الإخوان المسلمون وحلفاؤهم، يبدو عدد المشاركين محدود، وتتصدى لهم الدولة بقوة، هذا عن السياسة، ولكن المطالب الفئوية تبدو أكثر اتساعا وجماهيرية، ولا تملك الدولة أن تفعل فيها ما تفعله مع قوى سياسية نزعت عنها الشرعية. يعنى ذلك أن قوى الاحتجاج قائمة، فقط تختلف مساراته واتجاهاته. هذه المرة يأتى الاحتجاج من قلب مؤسسات الدولة، وليس من قوى المجتمع، مما يضع السلطة فى مأزق التعامل معه خاصة إذا كانت جادة فى المضى على طريق الإصلاح. هنا نجد أنفسنا أمام العقبة الرئيسية، التى طالما نتحدث عنها وهى جهاز الدولة، بما له من دور وتسلط وحضور وتأثير وسلطة فى حياة المصريين، يحتاج إلى إصلاح لا يريده، ويقاومه.