قضايا الدستور الرئيسة
عبد الفتاح ماضي
آخر تحديث:
الخميس 26 سبتمبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لم تشهد معظم حالات الانتقال الديمقراطى الناجحة تعديل أو وضع دستور جديد فى ظل حالة من الانقسام أو الحراب الأهلى. الطبيعى هو أن يتم هذا الأمر فى مجال عام يتسم بالتوافق السياسى، وبمشاركة سياسية ومجتمعية موسعة، لأجل تحقيق المصالح الوطنية الجامعة. ولقد كان غياب التوافق السياسى (بجانب عوامل أخرى) مشكلة أساسية فى دستور 2012.
•••
لكن لا بأس من تذكير القائمين على تعديل الدستور بمعايير الدستور الديمقراطى الذى تحتاجه مصر لتأسيس نظام سياسى ديمقراطى فى دولة حديثة.
أولا: هناك ضرورة لاتساق الدستور مع المرجعية العليا التى يستند إليها، وعدم تصادمه مع معتقدات الشعب ولا قيمه العليا. وهذا يقتضى حدا أدنى من التوافق المجتمعى، الرسمى والأهلى، على ما يمثل المرجعية العليا للدستور والنظام السياسى بأكمله. وأتصور هنا أن نص المادة الثانية الحالية يكفى من جهة. ومن جهة أخرى هناك ضرورة للنص على عدم تجاوز المنظومة الحقوقية الدولية والضمانات التى وفرتها للحقوق والحريات الأساسية للأفراد والجماعات، والتى صدّقت عليها مصر. وبعد الدستور، لابد أن يبذل جهد كبير لتأصيل قيم حقوق الإنسان وهذه المنظومة الدولية فى ثقافتنا بما لا يخالف قيمنا الإسلامية والعربية والشرقية، وذلك على المستويين «الرسمى والقانوني» بدمج هذه المنظومة ضمن المنظومة القانونية الوطنية، وعلى المستويين «الثقافى والشعبى» بمعالجة الإشكاليات التى يثيرها البعض إزاء بعض قيم هذه المنظومة وموقف الإسلام منها.
ثانيا: لابد أن يتضمن الدستور نصوصا وضمانات وآليات واضحة تضمن جوهر أى دستور ديمقراطى حقيقى فيما يتصل بالنظام السياسى وأولوياته فى الواقع المصرى على وجه التحديد. وهذه الأمور فنية ودقيقة وتحتاج إلى متخصصين فى النظم السياسية والتحول الديمقراطى وبناء المؤسسات، وأهمها:
سيطرة المؤسسات المنتخبة على جميع مؤسسات الدولة الأخرى غير المنتخبة ولا سيما المؤسسات الأمنية والعسكرية والدينية. لن تكون لدينا ديمقراطية حقيقية بوجود نفوذ لهيئات غير منتخبة فوق الهيئات المنتخبة كما كانت الحال بدستور 2012.
تفكيك عرى الاستبداد من خلال أولا وضع جميع الآليات لضمان استقلال القضاء وحيدته، وثانيا ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتقييد سلطة الرئيس فى حل البرلمان كما بدستور2012، وثالثا تحديد صلاحيات المؤسسة التنفيذية وتوزيع مهامها على الرئيس والوزارة بشكل واضح، ووضع آليات لمراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية من خلال البرلمان، ومن خلال الأجهزة الرقابية الأخرى. بجانب رقابة الإعلام والشفافية فى إتاحة المعلومات حتى يمارس المجتمع والمواطنون الرقابة.
استقلال الأجهزة الرقابة تماما (ماليا وإداريا) عن السلطة التنفيذية وعن الأجهزة الأمنية، وخضوعها لمستويات متعددة من الرقابة (رقابة البرلمان، والرقابة الداخلية، ورقابة المجتمع المدنى، وربطها بالمعايير الدولية ذات الصلة).
ضمانات وآليات لتحقيق مبدأ المواطنة وتكافؤ الفرص فى التعيينات والترقيات وتوزيع المنافع وفى التمتع بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون أدنى تمييز، وبما يضمن القضاء على ما يمكن تسميته «الطائفية الوظيفية» التى أنتجها النظام المستبد من خلال نظام الكوادر الخاصة أو التمييز لصالح بعض المهن على حساب الفئات المهمشة والفقيرة.
آليات وضمانات لتحفيز ودفع الأحزاب إلى التوافق وإلى ممارسة الديمقراطية داخلها وفيما بينها ووجود آليات لمراقبة هذا. وهناك ترتيبات كثيرة يمكن تبنيها هنا فى النظام الانتخابى المختلط وداخل البرلمان. بجانب آليات للحد من المال السياسى والعصبيات ومن استخدام الدين للحصول على مكاسب سياسية، وضمانات لتمثيل الفئات الضعيفة سياسيا.
ولأجل ضمان التداول على السلطة وعدم الانقلاب على الديمقراطية، هناك ضرورة لآلية الحظر الموضوعى لبعض مواد الدستور، بمعنى تحديد مواد بالدستور غير قابلة للتعديل كما كان دستور 1923. ففعالية الدستور تقتضى تجريبه لفترة زمنية واحتواءه على آليات تضمن عدم خروج اللاعبين السياسيين على الدستور وتمنع الانقلاب على الدستور الديمقراطى ذاته. وأتصور أن هذه المواد يجب أن تتضمن أسس النظام الديمقراطى التعددى، ومرجعية الدستور، والحريات الأساسية، ومدنية الدولة وسيطرة مؤسساتها المنتخبة على كافة المؤسسات غير المنتخبة، وأسس العدالة الاجتماعية.
ثالثا: ولا يمكن أن يكون الدستور ديمقراطيا إذا لم يخلق حالة جديدة من الولاء الوطنى العام لدى جميع مكونات المجتمع كبديل للانتماءات الضيقة، وما لم يقضِ على أزمة الهوية الحادة التى نعيشها بجميع أبعادها السياسية والثقافية والاقتصادية. وهذا يتطلب تفعيل، أو إنشاء، مؤسسات وآليات تستكمل إيجاد هذه الهُوية الجامعة، كأن تنشأ هيئات وطنية مستقلة تماما (إداريا وماليا) عن السلطة التنفيذية لمكافحة التمييز والتأكد من تطبيق مبدأ المواطنة، ولضمان العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الأجور والدخول، ولضمان الحفاظ على اللغة العربية ومقومات الثقافة العربية والهوية، ولربط المصريين بالخارج بوطنهم، وهكذا.
رابعا: آليات لدمج الشباب وتمكينهم، وهنا يمكن التفكير فى بعض مظاهر الديمقراطية المباشرة فى تعديل الدستور واقتراح مشاريع القوانين ومحاسبة النواب والمحافظين والمجالس المحلية وذلك بضوابط معينة.. كما يمكن التفكير فى حظر تولى المحالين للمعاش بمؤسسات الدولة لمناصب سياسية لمدة خمس سنوات لإتاحة المجال للشباب والعاملين.
خامسا: ولأن الدستور الديمقراطى عقد اجتماعى متجدد، فيجب أن يحتوى على إجراءات محددة وواضحة لتعديله وبحيث لا ينفرد الرئيس ولا السلطة التنفيذية بالتعديل من جهة، ولا تكون عملية التعديل أمرا مستحيلا من جهة أخرى. وهنا يمكن اشتراط نسب معينة كأغلبية ثلث الأعضاء للاقتراح داخل البرلمان وأغلبية ثلثى الأعضاء والأغلبية المطلقة فى استفتاء شعبى لاعتماد التعديلات. وتقدم لنا الخبرة الأوروبية طرقا كثيرا.
سادسا، من الضرورى أن تضم لجنة التعديل متخصصين فى السياسة والقانون والاجتماع والاقتصاد والإدارة والتاريخ، كما أن ديمقراطية أى دستور تقتضى أن يوضع بالتوافق بين جميع القوى السياسية والاجتماعية، فلا مكان للإقصاء أو الانفراد، وذلك حتى لا يتم استهدافه ومعارضته كما حدث سابقا. وهذا يعنى أن إجراء المصالحة الوطنية بين طرفى النزاع بعد 3 يوليو شرط ضرورى لنجاح لجنة تعديل الدستور.
أستاذ مساعد فى العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية