يستحق قرار الشيخ جابر طايع رئيس لجنة القيم بوزارة الأوقاف، بمنع الشيخ إيهاب يونس من الخطابة والإمامة والدروس الدينية، وقفة تأمل خاصة وأنه جاء ردا على أداء الشيخ إيهاب لأغنية لأم كلثوم فى برنامج «ست الحسن» على فضائية on tv وهو يرتدى زى المشايخ المعممين.
وفى بيانه الموجه للصحف أبدى الشيخ جابر قدرا من التعقل الظاهر فى تناول مسألة الغناء.، فلم يتطرف لدرجة تحريمه وقصر تحفظه على عدم ملائمة الزى الأزهرى للغناء فى مثل هذه المناسبات وهى مسألة يمكن المجادلة فيها وتخضع لفقه «المؤامات» .
وتبدو الواقعة بتفاصيلها مناسبة للتذكير بتاريخنا الموسيقى فى القرن العشرين والذى ارتبط بـ «المشايخ» قبل أى فئة أخرى، ما يعنى أن الشيخ إيهاب يونس لم يرتكب مخالفة شرعية أو قانونية تستوجب العقاب وإنما يستأنف تاريخا انقطع بسبب هبوط اضطرارى وفد مع ثقافة محافظة نالت من علاقة المصريين بقراء القرآن وأساطين تلاوته.
والمعروف أن لقب المشايخ كان يمنح لمختلف الشخصيات العامة فى مصر وهناك اثنان من أهل الطرب كما تقول الأمريكية فرجينيا دانيلسون فى كتابها عن أم كلثوم تعد حياة كل منهما مثالا على تجربة المشايخ فى المجال الموسيقى هما درويش الحريرى (1881ــ 1957 ) وعلى محمود (1881ــ 1946) ولعبا معا دورا فى تأهيل جيلين على الأقل من الموسيقيين الذين أنجزوا الدور الأكبر فى نهضة الموسيقى المصرية، فالأول علم محمد عبدالوهاب وزكريا أحمد الذى ظل معتزا بلقب «الشيخ» وظل الثانى يقرأ القرآن الكريم إلى جانب تقديم جميع أنواع الإنشاد الدينى وقصائد الغزل، بل وتسجيلها على أسطوانات قدمها فى الإذاعة.
ولابد أن الشيخ جابر يعلم جيدا ما للشيخ سيد درويش من فضل على الموسيقى المصرية ولعله يعرف أن سيد مكاوى كان شيخا أيضا والمؤكد أنه استمع إلى التواشيح الدينية التى تقدمها الإذاعة للشيخ محمد عمران وربما لا يعلم أن الشيخ عمران كان صديقا لعبدالوهاب وغنى معه فى حفلات بعضها على «يوتيوب».
وواقع الحال أن منافسة المشايخ لأهل الطرب لم تكن دائما محل ترحيب، فالملحن كامل الخلعى مثلا انتقد أداء «مشايخ الموسيقى» واصفا إياهم بـ«الشيوخ المنفرون».
ورغم ذلك كان هذا الأداء وسلوكهم بوجه عام من الأمور المألوفة من جميع الفئات حتى بين غير المسلمين كما تؤكد دانيلسون لدرجة أن الملحن المصرى الشهيرداوود حسنى كان يقول: «طالما بقى القرآن بقيت الموسيقى فى مصر».
واللافت أن داوود وهو يهودى الديانة قدر بموهبته الفذة مساحة الارتباط بين فنون الغناء وفنون تلاوة القرآن الكريم. وهو ارتباط ناقشه وحلله ناقدنا الراحل كمال النجمى فى كتابه المرجعى عن الشيخ مصطفى إسماعيل الذى كان الصوت المفضل لسيدة الغناء العربى أم كلثوم وظل حريصا على تعليم بناته العزف على البيانو وهناك عشرات الصور التى تثبت ذلك وفى الكتاب انتهى النجمى بعد سرد الكثير من المرويات التى يعود بعضها إلى عصر النبى الكريم إلى أن «التغنى بالقرآن الكريم، بالالحان أو بغيرها مستحب شرعا «وقد وضع علماء القراءات قواعد، ومن التزم بها متغنيا أو قارئا بغير تغن، كان على النهج الصحيح».
وبناء عليه أتصور أن الموقف الصحيح الذى ينبغى اتخاذه بشأن الشيخ إيهاب يونس هو تكريمه بدلا من تأديبه لأن حفلاته مع فرقة كايرو ستبس تطوف العالم وتقدمه للناس كمنشد يتغنى بأشعار الصوفية عبر تراك حقق أكثر من 2 مليون مشاهدة فى 4 أيام فقط. ويتداوله الشباب على هواتفهم النقالة ليعطى صورة إيجابية عن تسامح الإسلام وعن فنونه التى تم إهمالها وآن الآوان لاستعادتها من جديد وعلى رأسها فنون التلاوة والإنشاد الدينى ولعلها مناسبة لتفعيل اقتراح قديم بتأسيس بيت للتلاوة القرآنية ففى مثل هذا البيت يمكن لموهبة إيهاب يونس الساطعة فى تيترات فيلم «الكنز» أن تعلن عن نفسها دون خوف من «شبهة المخالفة» أوالعقاب الادارى.