جامعات محو الأمية
معتز بالله عبد الفتاح
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 أكتوبر 2010 - 9:48 ص
بتوقيت القاهرة
كثيرا ما أستحضر ما قاله الزكى النجيب محمود عن أن جامعاتنا أقرب إلى جامعات تهدف إلى محو الأمية مع أن وظيفة الجامعة أصلا هى محو الجهل، لأن الأمية ينبغى أن تكون قد مُحيت فى مرحلة التعليم ما قبل الجامعى.
هذه الفكرة أوردها الزكى النجيب محمود فى كتابه «ثقافتنا فى مواجهة العصر» (وهو كتاب جدير بالقراءة حقا). وشبه فيه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة العلمَ فى مجتمعنا بنقطة الزيت المنعزلة والطافية على سطح ماء موضوع فى إناء؛ فيبدو حتى العالم أو الباحث الأكاديمى مطالبا أو مضطرا للتصرف بالمنهاجية العلمية وهو داخل معمله أو يحاضر لطلابه، ولكنه مجبر أن يخلع «منهج» العلم مع معطفه أو عند خروجه للجامعة وأن يعيش حياة المجتمع الذى لا يعترف بالعلم ولا يحترم أهله ومن هنا يظل العلم كنقطة الزيت المنعزلة عن المجتمع والطافية على سطحه وكأنها ليست جزءا متفاعلا معه.
وهذا ليس هو الوضع الصحيح للعلم، لأن العلم ينبغى أن يكون كالملح أو السكر الذى يذوب فى الماء (أى المجتمع) ويغير من خصائصه وبالتالى من طريقة تفكير أصحابه فيكونون أقل ميلا للتفكير غير العقلانى وللتعصب وأكثر احتراما للحجة والمنطق ورغبة فى الحوار والنقاش حتى يتعلم الإنسان ما يجهله.
والغريب أن بعض الأكاديميين الأمريكيين الكبار، رغما عن أنهم يعملون فى مجموعة من الجامعات هى الأفضل عالميا، تنبهوا لأهمية ألا يكون الباحث الأكاديمى أنانيا ونخبويا بحيث يحجب علمه عن بسطاء الناس وعليه ظهر اتجاه من منتصف الثمانينيات يدعو الأكاديميين الأمريكيين أن يتخلوا عن نرجسيتهم وأن يتواصلوا أكثر مع أجهزة الإعلام فى ظل ما عرف باسم «Academic Populism» أو «الأكاديميا الشعبية» وعليه أصبح الأكاديميون أكثر حضورا فى الحياة العامة من خلال أجهزة الإعلام المختلفة حتى يساعدوا المجتمع على أن يفكر بطريقة أكثر عقلانية وانتظاما وواقعية فى مواجهة «أعداء العلم»، (على حد وصف البعض) الذين يستخدمون بعض الرموز والأفكار الغيبية والتآمرية كى يحولوا الولايات المتحدة إلى مجتمع من الجهل والظلامية.
إذن نحن المصريين بحاجة للتحرك على مستويين: أولا المزيد من الدعم للأبحاث الأكاديمية الجادة وهو واجب أصيل لأى جامعة، وثانيا لأن يخرج أساتذة الجامعة من ساحاتها للعب دور أكبر فى الحياة العامة (شريطة ألا ينسوا واجبهم الأصلى فى إنتاج المعرفة) وهذا أصبح واجبا ملحا فى زمن الفضائيات التى يغلب عليها الجرأة بلا مضمون.