فين المعنى فى حياتى؟


رضوى أسامة

آخر تحديث: الثلاثاء 26 أكتوبر 2010 - 10:39 ص بتوقيت القاهرة

أخبرتنى أنها تبحث عن معنى لحياتها، وأنها ما عادت تحتمل الحياة القدرية بهذا الشكل، عندما سألتها عما تعنيه بالحياة القدرية، قالت: أن تفعل كل شىء مقدر لها، أن تتزوج وتنجب، وتذاكر للأولاد، وتذهب بهم للنادى، وتطبخ ما يحبون، وتهتم بدروسهم. أخبرتنى أنها توقفت عن الحلم لنفسها وأنها ما عادت تعرف مشروعها الخاص الذى تحيا من أجله. وسألتنى هل البحث عن معنى لحياتى سبب مقنع كى أجلس مع مشير نفسى؟
حدثتها عن ذلك التراث البحثى المميز الذى حاول دراسة دور المعنى الذى يضفيه الفرد على حياته وأثره على تغييرها، لم يشغلنى بشكل شخصى اكتشاف أن ما تفعله هذه المرأة لا يتناسب مع ما تريده وأنها لا ترى معنى فيه، لكن ما شغلنى حقا هو أن ما تقوم به من أشياء هو نفسه ما تفعله صديقة لى وتشعر فيه بمعنى وجودها وتشعر برضا عن حياتها.

قرأت كتاب «بحث الإنسان عن معنى» للدكتور فيكتور فرانكل، ولفتت نظرى تلك العبارة: «إنى أعتقد أن معنى وجودنا ليس أمرا نبتدعه نحن أنفسنا، وإنما هو شىء نستكشفه ونستبينه»، وتذكرت أن المرأة قالت لى إنها تعرف أن بداخلها شيئا لا تقوم به وإنها مستسلمة لشىء آخر تماما وإنها تريد مساعدتى فى اكتشاف هذا الشىء.

العلاج بالمعنى هو أحد التكنيكات المهمة فى العلاج المعرفى والذى يفيد فى كثير من الأوقات، ويستطرد فرانكل فى كتابه فيقول: «حقا، إن بحث الإنسان عن المعنى وسعيه لتحقيق القيمة ربما يثير توترا داخليا بدلا من أن يؤدى إلى اتزان داخلى، ومع ذلك فإن هذا هو المطلوب بالضبط للصحة النفسية. وإنى لأتجرأ بالقول إنه لا يوجد شىء فى الدنيا يمكن أن يساعد الإنسان على البقاء حتى فى أسوأ الظروف مثل معرفته بأن هناك معنى فى الحياة، فليس ما يحتاجه الإنسان فى الحقيقة هو حالة اللاتوتر، ولكنه يحتاج إلى السعى والاجتهاد فى سبيل هدف يستحق أن يعيش من أجله. فالإنسان لا يحتاج للتخلص من التوتر بأى ثمن، ولكن يحتاج إلى استدعاء إمكانيات المعنى، ذلك المعنى الذى ينتظر أن يقوم بتحقيقه».

 

وأنا أقرأ هذا الكتاب جلست أفكر فى كيفية تدريب أنفسنا على صنع معنى أو بتعبير فرانكل «اكتشاف هذا المعنى الداخلى». وتذكرت إحدى السيدات التى رأيتها وكانت تبحث عن ذاتها، وخوضها لتلك الرحلة، واكتشافها أن مساعدة الآخرين على التعافى هو المعنى الذى تنشده من حياتها، وأنها لكى تصل إلى ذلك مرت بأشياء كثيرة، من ألم، ومساعدة على تجاوز الألم، وتدريبات مكثفة لزيادة مهاراتها العلمية وفهمها لطبيعة السلوكيات الإدمانية وكيفية مساعدة المدمنين وأصحاب السلوكيات الخطيرة، وتدريبات أخرى كثيرة خاضتها هذه المرأة، وما زالت، لكى تفعل ما تؤمن به.

نحن لا نصل للمعنى فى حياتنا بلا جهد، ليس للأمر علاقة بالسحر ولا بالأحلام السعيدة، لى صديقة تهاتفنى لتشكو لى كل مرة من عدم وجود معنى لحياتها، لكنها فى كل مرة لا تفعل شيئا كى تجد هذا المعنى. كلما خططنا لتدريب ما أو رحلة لاكتشاف النفس وقفت عند هذه الخطوة وتحججت بأشياء عدة وتظل فقط تجتر آلام عدم وجود معنى.

أن يكون لديك معنى لحياتك يعنى أن تكتشف ذلك داخلك وأن تفعل ما تستطيع لكى تفعله، واجترار الأحلام غير مفيد نهائيا إلا فى المزيد من الإحباط.
ويقول د. فرانكل فى ذلك «إن معنى الحياة يختلف من شخص لآخر، وفى ذات الشخص من يوم لآخر، ومن ساعة لأخرى.

 

فينبغى ألا نبحث عن معنى مجرد للحياة، فلكل فرد مهنته الخاصة أو رسالته الخاصة فى الحياة التى تفرض عليه مهام محددة عليه أن يقوم بتحقيقها. وفى ذلك لا يمكن أن يحل شخص مكان آخر، كما أن حياته لا يمكن أن تتكرر، ومن ثم تعتبر مهمة أى شخص فى الحياة مهمة فريدة مثلما تعتبر فرصته الخاصة فى تحقيقها فريدة كذلك. وباختصار فإن الإنسان يعبر عن معنى حياته عن طريق الإجابة بأفعاله ذاتها، فهو يستطيع أن يستجيب إلى الحياة عن طريق الإفصاح عن مسئوليته والتعبير عنها، فالعلاج بالمعنى يرى فى الالتزام بالمسئولية الجوهر الحقيقى للوجود الإنسانى».
هذا الالتزام بالمسئولية هو ما يعنينا وما نريد أن نتدرب عليه، فالبحث عن معنى لحياتنا ليس رفاهية، ويحتاج إلى التزام وتعلم.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved