المجتمع المنفعل

معتز بالله عبد الفتاح
معتز بالله عبد الفتاح

آخر تحديث: الأربعاء 26 أكتوبر 2011 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

تعرف فلان؟ «آه طبعا. ده جدع بايخ وغلس وواخد فى نفسه مقلب».

 

تعرف فلان؟ «آه طبعا. ده موظف فى شركة كذا، وعنده عربية مواصفتها كذا».

 

رودلف كارناب أوضع أن البشر يستخدمون اللغة عادة بإحدى طريقتين: الأولى تعبيرية انفعالية قائمة على الرأى والذات، وأخرى وصفية تصويرية تقريرية موضوعية. وتكون اللغة تعبيرية Expressive حين تريد أن تقول إنها منصرفة إلى إخراج ما يشعر به القائل داخل نفسه وبالتالى يستحيل على سواه أن يراجعه فيه، لأنه شعور ذاتى خاص به. مثل العبارة الأولى التى بدأ بها هذا العمود. حين يقول أحدنا إن أكلة معينة، اسمها «أ» مثلا، جميلة وممتعة ورائعة؛ فنحن لم نعرف ما طبيعة «أ». هل هى لحوم أم خضروات أم أسماك؟

 

أما العبارات التصويرية الوصفية العلمية فهى التعامل مع الشىء بذاتها Descriptive، وليس بحكم انفعالى به ورأى فيه، مثل العبارة الثانية الواردة فى رأس هذا العمود. أى بلغة أهل الاختصاص من دارسى الفلسفة: «وصف شىء خارج عن ذات القائل بغض النظر عن انفعال القارئ به».

 

هل أجاوز الحقيقة لو قلت إننا يغلب علينا أننا مجتمع «منفعل» أكثر مما ينبغى.

 

هذه كانت المقدمة النظرية، تعالوا للموضوع. قرر البعض أن الأفضل لمصر هو «القوائم النسبية» تماما بلا أى نسبة للفردى، وتكررت العبارة بشكل ببغائى وكأن الكل أصبح خبيرا فى النظم الانتخابية، دون النظر لعيوبها. والأطرف أن «الانفعال» والدفاع عن الانتخابات بالقوائم النسبية 100 بالمائة كان على الفاضى. وكان كاتب هذا السطور ومعه آخرون يقول يا ناس هذه مسألة فى منتهى التعقيد لأن الأحزاب نفسها غير جاهزة، ولا يعرف بعضها بعضا، ومعظمها بلا مقار أو برامج حزبية أو التزام حزبى، ولو جعلتم النظام كله بالقائمة النسبية فما مصلحة الشخص الذى سيكون فى ذيل إحدى القوائم أن يظل فى القاع بلا أى فرصة للفوز على الإطلاق؟ قطعا سينتهى به الحال، إن كان جادا، فى أن يسعى لعمل قائمة مستقلة به يكون على قمتها ويملأ بقية الأسماء فى القائمة بأقاربه وأصدقائه، المهم أن يكتمل العدد ويكون هو رأس القائمة. والمشكلة فى هذه الحالة هو أننا سنكون أمام عدد مهول من القوائم المستقلة التى تشكلت وكأنها على أساس فردى، بما سيضعف الأحزاب يقينا، فتكون الإجراءات المتخذة غير متسقة، بل متناقضة تماما، مع هدف تقوية الأحزاب.

 

أجرؤ الآن، وقد أغلق باب الترشح، على أن أكشف بعضا من كواليس الأسبوع الماضى حيث اكتشفت بعض قيادات الأحزاب أنها كررت المقولات التى تفضل «القوائم النسبية» انفعالا، دون أن تعرف ما هى؛ أى «انفعلت قبل أن تعرف» و«حكمت قبل أن تتصور». وقد شهد يوما الأربعاء والخميس الماضيان تحديدا لقاء لى مع بعض الأصدقاء من المنتمين إلى أحزاب، حمدوا الله فيه على أن هناك فرصة لهم للترشح على الفردى. بل إن بعضا ممن نافحوا من أجل القوائم النسبية 100 بالمائة، نزلوا إلى الانتخابات على مقاعد الفردى. والفشل نال الكثير من التحالفات والائتلافات بسبب الصراع على ترتيب القوائم.

 

وهنا ذكرتهم بما تم اقتراحه فى هذا العمود وفى برنامج «أ، ب، سياسة» من قبل حول فكرة «القائمة النسبية غير المشروطة» مثل انتخابات الأندية، ولكنها رفضت انفعالا وليس فهما. وقال أحدهم: «طيب مش تفهّمونا بالراحة»، وكأن الخطأ فى من اقترح، وليس فى من سمع ولم يستمع.

 

عموما شاء القدر أن تقترن لذة المعرفة بمرارة التجربة، عسانا نعرف ونتعلم. والكلام أوجهه لنفسى قبل أن أوجهه لأى شخص آخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved