مقابلة صحفية

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 26 أكتوبر 2011 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

يمتعنى دائما أن أكون شاهدا على مقابلة متميزة يجريها صحفى مجرب مع شخصية مشهورة، ويمتعنى بالدرجة الثانية قراءة هذه المقابلة منشورة فى الصحيفة. كان فى تصورى، قبل أن أقترب من صروح هذه المهنة وشخوصها، أن المقابلة الصحفية لا تخرج عن قائمة بأسئلة يذهب بها الصحفى إلى الشخصية المشهورة ليملأ مساحة بيضاء تقع بين السؤال والسؤال الذى يليه. وبعد سنوات من متابعة صحف ودوريات من جنسيات مختلفة عرفت أن تصورى لم يكن بعيدا، فى معظم الحالات، عن محله. لذلك زاد حرصى على تعقب المقابلة المتميزة أينما نشرت، وعلى أن أكون شاهدا فى مقابلات بعينها، ليزداد يقينى بأن المقابلة الصحفية، كالمقابلة الدبلوماسية، هى فن وخبرة تتجاوز القدرة العادية على وضع قائمة بأسئلة بينها فراغات تنتظر إجابات أغلبها معد سلفا.

 

●●●

 

نشرت إحدى الدوريات المتخصصة فى الولايات المتحدة (وقائع التعليم العالى) chronicle of higher education منذ شهر أو أكثر عددا من رسائل عتاب وجهها أكاديميون وخبراء وفنانون وسياسيون إلى صحفيين أجروا معهم مقابلات لم يرق ما نشر منها وعنها إلى المستوى الذى يرضى هؤلاء المشاهير. ثار جدل، لم يكن الأول من نوعه فى تاريخ الصحافة ولن يكون الأخير، حول نقطة جوهرية فى العلاقة بين طرفى المقابلة الصحفية، وهى إذا كان من حق الشخص الذى جرت معه المقابلة مراجعة النص قبل نشره أم لا. وقد خرجت من قراءة الآراء المختلفة التى ناقشت الموضوع بعدد من النصائح يوجهها صحفيون مخضرمون للمشاهير من الأكاديميين والسياسيين الذين يجرى معهم الصحفيون مقابلات.

 

●●●

 

النصيحة الأولى: لا يوجد ما يمنعك، قبل أو خلال إجراء المقابلة، من أن تطلب الاطلاع على النص قبل نشره. لا يعنى هذا أنك إذا طلبت هذا خلال إجراء المقابلة سيترتب لك تلقائيا حق فى الاطلاع عليها، فلكل صحيفة قواعدها الخاصة فى هذا الشأن. ولكن فى حالة الرد بالسلب يظل قائما حقك فى الاطلاع على الاقتباسات المباشرة للتأكد فقط من دقة البيانات الواردة فيها  مع وعد صارم من جانبك بأنك لن تتدخل فى صياغة  فقرات أو ملاحظات دونها الصحفى الذى أجرى المقابلة.

 

●●●

 

النصيحة الثانية: تذكّر دائما أنك أنت الخبير المتخصص وأن الصحفى الساعى لإجراء المقابلة لا خبرة عميقة له فى الموضوع، هذا إن وجدت هذه الخبرة أصلا. لذلك يجب أن تتحدث ببطء وتتفادى استخدام المفاهيم المعقدة والنظرية.

 

نعرف أن كثيرين عندما يدلون بأحاديث فى مقابلات يتجاهلون حقيقة أن الصحفى يدون ملاحظات، ولابد من إتاحة الفرصة له ليفكر فيما يقوله ضيف المقابلة ويعد نفسه للسؤال التالى. بكلمات أخرى: لا تتكلم بينما هو يكتب.

 

كثير من الموضوعات التى يناقشها المتخصصون ذات طبيعة جافة. لذلك من المناسب أحيانا، وربما من الضرورى، أن تحشو حديثك بأمثلة وقصص تجعل الموضوع أقل جفافا، وبالتالى أكثر قبولا لدى الصحيفة والقارئ على حد سواء. وقد سمعت اعترافات من صحفيين شبان بخبرة محدودة تفصح عن أنهم كثيرا ما كلفهم المسئولون فى الصحيفة إجراء مقابلات شعروا خلالها أنهم مثل طلاب فى السنة الأولى بالجامعة يستمعون إلى أستاذ لا يراعى خبراتهم أو أعمارهم. المسئولية فى هذه الحالة مشتركة، فالمسئول فى الصحيفة يجب أن يختار الصحفى المناسب، أما الضيف العالم أو الحكيم فيجب عليه أن يعرض أفكاره بأسلوب مبسط ليستوعبها الصحفى قليل الخبرة ويفهمها القارئ الذى يريد الضيف توصيل رسالة إليه. 

 

●●●

 

النصيحة الثالثة: حبذا لو أرسل الأكاديمى والخبير المتخصص والوزير المسئول إلى الصحفى قبل إجراء المقابلة وثائق ومستندات وإحصائيات ليستعين بها فى إعداد أسئلة والحصول على إجابات معمقة وليست سطحية. يستطيع الصحفى أيضا بفضل هذه المستندات استيضاح معلومات والاستزادة منها. إلى جانب هذا فإن الاطلاع على هذه المستندات قبل اجراء المقابلة يفيد فى اختصار وقت المقابلة.

 

●●●

 

النصيحة الرابعة الموجهة إلى ضيف المقابلة الصحفية: لا تختفى بعد إجراء المقابلة. فالصحفى، فى غالب الأمر، سوف يحتاج إليك خلال انشغاله بتفريغها وصياغتها. يحدث أحيانا أن يكتشف الصحفى أنه فاته توجيه سؤال مهم، أو أن الإجابات  أثارت أسئلة من نوع جديد أو أن تطورات استجدت استدعت استئناف النقاش.

 

●●●

 

هذه النصائح الموجهة للأكاديميين والسياسيين، لا تعفى الصحفى من واجباته وأهمها أن يكون محيطا بموضوع المقابلة بشكل لائق، فالمتحدث لن يبخل بالمعلومات والتحليل على صحفى فاهم ومتابع بينما يستهين بصحفى يتصرف كجهاز تسجيل أو سكرتير إملاء. وفى الوقت نفسه، يبقى من حق الصحفى الامتناع عن اطلاع المتحدث على نص الحديث قبل نشره تفاديا أن يضيف عبارات إنشائية أو يمحو بعض المعلومات، وإن كان هذا من حقه من الناحية النظرية، ولكنه أيضا من حق الصحيفة الامتناع عن النشر.

 

وقد علق صحفيون مجربون شاركوا فى الجدل الدائر حول هذه القضية بقولهم إن مقابلات معينة يجب أن يقوم بها صحفيون متمرسون وجادون وملمون بالموضوع وقضوا وقتا غير قصير للإحاطة بتفاصيل السيرة الذاتية للضيف وتاريخ علاقته بالموضوع، وقضوا وقتا آخر للاستماع إلى زملائه وأصدقائه وأفراد من عائلته ودرسوا بدقة مقابلات سابقة أجراها مع أجهزة إعلام متنوعة.

 

قرأت لأحد المخضرمين رأيا يقول «يخطئ الصحفى الذى يذهب لإجراء مقابلة معتقدا أن المتحدث سيد الموقف». سيد الموقف بلا منازع هو الصحفى الذى حدد هدف المقابلة قبل تحديد موعدها وعرف كيف يقود المقابلة بجميع تفاصيلها نحو الهدف المحدد واضعا فى اعتباره متغير الوقت والظرف ومزاج المتحدث أثناء إجراء المقابلة. سيد الموقف هو الصحفى الذى وظف صبره وسعة خياله ولباقته ليعود إلى صحيفته حاملا معلومات وآراء لم يخطط الضيف للإدلاء بها وربما حاول إخفاءها. قد يكون مهما بعض ما أراد الضيف نقله إلى القارئ، ولكن الأهم منه هو ما حاول أن يخفيه واستطاع الصحفى الماهر انتزاعه منه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved