الخليج ــ الإمارات فى الصدر آلة أم قلب؟
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 أكتوبر 2021 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن تناول فيه خوف المجتمعات العربية من الحداثة، سواء فى الأفكار أو السلوك أو القيم، إلى جانب ما تتسم به المجتمعات العربية من ازدواجية فى التعامل مع الحداثة، فنقبل ما أنتجته الحداثة من منتجات وننعم بثمارها، ونخاف من الأفكار والعقول التى صنعتها... نعرض منه ما يلى:
فى كتابه «النفس المبتورة» أورد داريوش شايغان حكاية من التراث الصينى، عن حكيم أبصر كهلا كان يعمل فى حقل خضار، حفر بنفسه أقنية للرى، وكان الكهل ينزل بنفسه إلى البئر ويصعد منها حاملا بين ذراعيه وعاء مليئا بالماء ويفرغه فى الأقنية، ومع الجهد الكبير الذى كان يبذله فإن عائد هذا الجهد طفيف.
أشفق عليه الحكيم وشرح له أن هناك طرقا لرى مائة قناة فى اليوم الواحد، فبقليل من الجهد سيتوصل إلى نتائج هى أضعاف ما يحققه حاليا بطريقته هذه، وبعد أن استمع الكهل إلى شرح الحكيم حول الطرق الأجدى التى تتطلب منه الاستعانة بأدوات من خشب، صعد الغضب إلى وجهه قبل أن يقول للحكيم وهو يضحك: «سمعت معلمى يقول إن من يستخدم آلات فى عمله يجعل قلبه آلة، ومن يحمل قلب آلة فى صدره يفقد براءته، ومن يفقد براءته الطاهرة يغدو متشككا فى حركات روحه». وختم الكهل كلامه بالقول الآتى: «أنا لا أجهل هذه الأمور لكنى أخجل من استعمالها».
غاية داريوش شايغان من إيراد هذه الحكاية الصينية فى كتابه الذى عالج فيه «هاجس الغرب فى مجتمعاتنا»، كما يقول العنوان الفرعى الشارح لكتابه، هى إظهار إلى أى مدى بدت الحداثة، ولا تزال تبدو، أمرا مرعبا فى مجتمعاتنا الإسلامية، والحداثة بالتأكيد ليست الآلات وحدها، وإنما منظومة الأفكار والسلوك والقيم التى تجعل من رؤية إنسان يعيش فى القرن العشرين أو الحادى والعشرين غير رؤية أسلافه قبل عشرات القرون.
يمكننا القول إن موقفنا اليوم يختلف عن موقف الكهل الصينى الذى تعود حكايته إلى ما قبل خمسة وعشرين قرنا، وبدا مرتابا تجاه إدخال أدوات بسيطة تعينه فى عمله المجهد فى إخراج الماء من البئر، ذلك أن الموقف من الحداثة فى بلداننا يتسم بالازدواجية، فنحن إذ نقبل آخر منتجات الحداثة المادية من سيارات وعربات وهواتف وحواسيب.. إلخ، فإننا نتوجس من الأفكار التى كانت فى عقول من صنعوا ويصنعون هذه المنتجات. نقبل المنتج وننعم بثماره ونرفض الفكرة التى صنعته.
مع ذلك يمكن قراءة الحكاية الصينية التى أوردها شايغان من منظور آخر لا يتصل بالموقف من الحداثة بالضرورة، وسنصوغ ذلك على شكل سؤال: ألن يؤدى ما بات يعرف بالذكاء الإلكترونى الذى لا يعلم إلا الله إلى أى آفاق سيأخذ البشر، ليس إلى إفقادهم الكثير من المهارات التى اكتسبوها عبر أجيال فقط، وإنما إفقادهم الكثير من «براءتهم» كما عبر الكهل الصينى فى حينه؟