غزة إلى الأبد


روجر كوين

آخر تحديث: الإثنين 26 نوفمبر 2012 - 9:10 ص بتوقيت القاهرة

كان ذلك هو الحال فى جميع الهجمات العسكرية الإسرائيلية التى اتسمت بالهزيمة الذاتية خلال الستة عشر عاما الماضية ــ عملية عناقيد الغضب فى لبنان، عملية الرصاص المصبوب فى غزة، وعملية عمود السحاب الآن ــ ولم يكن من قبيل المصادفة، أن تبدأ كلها عشية الانتخابات الوطنية فى إسرائيل.

 

وكان جلعاد شارون، ابن آرييل شارون الذى دبر انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، لديه فكرة حول إنهاء المسألة. وقد عبر عنها على هذا النحو فى الجيروزاليم بوست:

 

«نحتاج إلى تسوية كاملة للأحياء فى غزة بالأرض. تسوية كل غزة. إذ لم يتوقف الأمريكيون عند هيروشيما ــ فحينما لم يستسلم اليابانيون بسرعة كافية، ضربوا نجازاكى، أيضا. لا بد أن يقطع التيار الكهربى عن غزة، وألا يكون هناك وقود من أجل الحركة، ولا أى شىء. وعندها سوف يدعون حقا لوقف إطلاق النار».

 

القنابل الذرية، السواد، السكون، العدم ــ فقد سمح شارون لنفسه بمداعبة الحلم الإسرائيلى القديم بأن يختفى الشعب الفلسطينى تماما. لكنه لم يختف بالفعل. وأعاد الفلسطينيون تنظيم أنفسهم. محملين بالكراهية لإسرائيل التى اشتعلت بسبب الخسارة.

 

●●●

 

إنها قصة قديمة بدأت عام 1907، حينما كتب الصهيونى اسحاق ابشتاين مقالة بعنوان «المشكلة غير الظاهرة» وقال فيها «لقد نسينا أمرا صغيرا «ففى أرضنا الموعودة شعب كامل شغلها لمئات السنين، ولا يفكر فى الرحيل منها». وحذر ابشتاين من أن الصهيونية عليها مواجهة وحل «المشكلة العربية».

 

وتمثلت مشكلة إسرائيل المستمرة حتى هذه العملية فيما تفعله حيال الصواريخ المنطلقة من غزة على مواطنيها. فليس هناك حكومة تقبل بقاء المدنيين فيها معرضين لهجوم صاروخى متكرر من أراضى مجاورة.

 

وكالعادة، لم يكن هناك تمهيد مرتب ــ ضرب صاروخ منطلق من غزة جنوبى إسرائيل فى 3 نوفمبر؛ وقتل شخصا فلسطينيا قرب الحدود فى 4 نوفمبر؛ وجرح ثلاثة جنود إسرائيليون فى انفجار على الحدود فى 6 نوفمبر، وقتل طفل فلسطينى برشاش إسرائيلى فى 8 نوفمبر، وجرح أربعة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدبابات فى 10 نوفمبر، وقتل أربعة يافعين فلسطينيين عندما ردت إسرائيل بإطلاق النار، وتطلق الصواريخ بشكل متزايد من غزة. (هذا فقط ملخص سريع، وبالطبع لدى كل جانب نسخة مختلفة)

 

وكان سؤال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ما العمل.؟ قاموا حينها بتسريع أو متابعة مفاوضات وقف إطلاق النار بشكل غير رسمى من خلال المساعى الحميدة المصرية مع أحمد الجعبرى، رئيس الجناح العسكرى لحماس والمسئول عن اختطاف الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط وإطلاق سراحه منذ عام فى الوقت نفسه. وكان هدف المحادثات وقف إطلاق النار، وفقا للمفاوض الإسرائيلى المستقل جيرشون باسكن هو «تجاوز الأنماط القديمة».

 

وفى 14 نوفمبر، اتخذ نتنياهو قراره. فقد تم اغتيال الجعبرى، مع تصوير تفجير سيارته بواسطة الفيديو. (يمكنك تخيل رد فعل طفل يشاهده: «بابا، لقد فعلت ذلك أمس!»)

 

وهنا، نحن نتبع النماذج القديمة: قتل 90 فلسطينا فى غزة على الأقل، بينهم أطفال، وموت ثلاثة إسرائيليين نتيجة لإطلاق صاروخ، وتدمير مبانى الحكومة الفلسطينية، والدبلوماسيون يهرولون لوقف إطلاق النار، وانفراد الكونجرس الأمريكى بإقرار ذلك بالكامل، وتلهف إسرائيل إلى إنهاء الموضوع بصورة معقولة، بينما يتصاعد الغضب فى المنطقة كلها.

 

●●●

هل هذا كله فى مصلحة إسرائيل؟ كلا، إلا إذا عرفنا كلمة مصلحة على أنها السياسات التى تجذر الوضع، وتعمل على تآكل منطقة لقاء متوسطة، وإبداء استحالة الموافقة، ومن ثم تسهيل استمرار الاحتلال الإسرائيلى على الضفة الغربية، وتوسيع المستوطنات، وإضعاف فكرة السلام القائم على دولتين بصورة مستمرة. ربما كان هذا معيار نتنياهو فى النظر إلى النصر التكتيكى فى عملية عمود السحاب (إلى جانب انتصار الليكود فى 22 يناير.)

 

لن يكون هناك «انتصار» إسرائيلى آخر. وقد قال ألوف بن، رئيس تحرير جريدة هاآرتس الإسرائيلية اليومية: «سيسجل اغتيال الجعبرى فى التاريخ باعتباره تحركا عسكريا استعراضيا آخر بادرت به حكومة تنتهى ولايتها، عشية الانتخابات». ويقول بن إن الجعبرى كان فى واقع الأمر رجل إسرائيل البارز فى مقايضة المال بالهدنة، التى لم تسر على نحو جيد. والآن، «على إسرائيل إيجاد خليفة يحل محل أحمد الجعبرى، كحام لحدودها فى الجنوب».

 

وبعبارة أخرى، حماس لن تختفى. ولا بد من التعامل معها. إذ تتعامل أمريكا الآن مع الإخوان المسلمين (الجماعة الأصل لحماس) والسلفيين فى مصر الجديدة. ويعد التعامل مع الواقع امرا محمودا.

 

علمت من زميلى إيتان برونر أن التشبيه المفضل فى إسرائيل للإشارة إلى عملياتها الأمنية المتكررة: هو «تسوية الحشائش»، كما لو أنها «مهمة يجب أداؤها بشكل دورى، ولا تنتهى الحاجة إليها أبدا». لكن بالطبع، يحتمل أن يؤدى هذا إلى تخصيب حشائش الكره.

 

وأود أن أتساءل، فيما يفكر فيه شاليط. من أزعجوه فى حماس أفرجوا عنه فى نهاية الأمر.

 

●●●

 

الشرق الأوسط ينفجر. ويفكر الشباب العرب فى مجتمعاتهم. بينما إسرائيل، العالقة فى النماذج القديمة، أمامها خيار آخر: اختبار حسن نية الفلسطينيين، بدلا من عقاب الفلسطينيين سيئى النية. وفى عهد نتنياهو، حتى وإن لم تحدث محاولة لهذا. وذلك كى لا تكون العواقب وخيمة.

 

2012 كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمزلمبيعات الخدمات الصحفية .

 يحظر نشر هذه المادة أو إذاعتها أو توزيعها بأى
صورة من الصور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved