الوعى الحضارى
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 26 نوفمبر 2014 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
مشهد التدمير يلازم اضمحلال الحضارة. تدمير المدن فى الحروب، تحطيم منجزات الحضارة الإنسانية كما حدث على يد طالبان عندما قاموا بنسف تماثيل بوذا، وتدمير مساجد ومزارات ومراقد وكنائس على يد «داعش» وأخوتها. التصدى لهذا النمط من التدمير يكون باستعادة روح الحضارة، ومنجزاتها، شواهدها وآثارها.
فى كتاب «فقه العمران.. العمارة والدولة والمجتمع فى الحضارة الإسلامية» سياحة ممتعة بقلم الدكتور خالد عزب، وقد حصل منذ أيام على جائزة أفضل كتاب فى العالم العربى عام 2014م التى تمنحها مؤسسة الفكر العربى فى بيروت. الكتاب يؤصل لفقه العمران فى الحضارة الإسلامية، ويمثل ردا على فكر التدمير، والتطرف، والعدمية الإنسانية باستلهام روح الحضارة فى عمارة الأرض فى مجالات عدة عمارة المدن، المساجد، المياه والمنشآت المائية، الأوقاف، العمارة التجارية وغيرها. الحياة عمران، والحضارة تعمير، ومباهج الحياة فى زينتها وجمالها.
فى الكتاب لمحات ذكية عن عمران المجتمع، الذى يستند إلى شبكات تضامنية اجتماعية بين الأفراد فى الحضارة الإسلامية مما نسميه نحن الآن رأس المال الاجتماعى، وحين تسقط الأنظمة السياسية يظل المجتمع صامدا بتضامنه، وعمرانه، وشبكات الأمان التى يحتمى بها. وفى رأى الكاتب الناس تهتم كثيرا بعمارة السلطة، لكنها لا تولى ذات الاهتمام لعمارة المجتمع. ذلك المجتمع الذى يحوى كنوزا وفكرا وعمقا، نتذكر أن الصحابى عبدالرحمن بن عبدالحكم اعتبر الكنائس كذلك من عمارة الأرض، هكذا الحضارة الإنسانية تعتبر العمران شاهدا على ثرائها ورقيها.ش
الكتاب يقدم أول محاولة لتأسيس علم فقه العمران فى الحضارة الإسلامية، وكاتبه له باع طويل فى هذا المجال منذ أن أصدر وهو فى الثانية والعشرين من عمره كتابا عن مدينة فوه، وبسببه استبعد من وزارة الآثار، لأن رؤساءه ظنوا أنه ليس أهلا لهذه التجربة، لكنه لم يستسلم، وظل يتنقل بين مؤسسات بحثية وإعلامية، ووضع نحو خمسة وأربعين مؤلفا، ويعمل حاليا فى مكتبة الإسكندرية التى عمل فى رحابها على مشروعات ثقافية متعددة، وحصل على جوائز مهمة منها جائزة الدولة التشجيعية، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمى.
كتاب «فقه العمران» الذى نال الجائزة الأسبوع الماضى ترجمت بعض فصوله إلى اللغة الانجليزية، ونُشرت فى دوريات علمية غربية، وأتصور أنه ينبغى أن يكون ضمن منشورات مكتبة الأسرة حتى تتاح الفرصة للأجيال الشابة للاطلاع عليه لأنه يمثل أحد مرتكزات بناء التفكير الحضارى فى مواجهة التفكير الظلامى، العمران فى مواجهة الهدم، المجتمع المتماسك ببنائه، وشبكاته الاجتماعية فى مواجهة تفكيك المجتمعات، وتقزيم إمكاناتها التجميعية.
نحارب التطرف منذ عقود، ولكن العائد محدود. السبب فى رأيى أن المعركة تدار إعلاميا وأمنيا، ولا تمتد إلى بناء الوعى الصحيح، وتغيير النظرة إلى الحياة، وتوجيه الإنسان فى مسار الحضارة بدلا من الانغلاق، والعزلة، والغلو، ورفض التنوع والاختلاف.
هذا الكتاب وغيره أسلحة مهمة فى معركة بناء الوعى الحضارى.