نحن واليمين الغربى
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 26 نوفمبر 2016 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
شهد الغرب فى السنوات الأخيرة ومن قبل انتخاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مدا يمينيا إلى أقصى اليمين وما نسميه نحن أحيانا اليمين المتطرف، فبريطانيا خرجت من عباءة الأتحاد الأوروبى وبعض الدول الأوروبية الأخرى تفكر جديا فى هذا الأمر وفرنسا كمثال تستعد حاليا لانتخابات رئاسية وتشهد صعودا مضطردا لأقصى اليمين والذى يجبر الوسط أن يتيمن أكثر فى خطاباته الانتخابية وهناك عدة عوامل لهذا منها:
1ـ أن اليمين أستطاع أن يستأثر بأُذن الناخبين خاصة فى أمور تمس حياتهم اليومية منها طوفان الهجرة التى تصل إلى أوروبا والتى سماها بعض السياسيين الغربيين هذه ليست هجرة هذا غزو استعمارى لبلادنا فزادت دعوات الانغلاق وإغلاق الحدود وارتفاع النعرة الوطنية.
2 ـ من ناحية أخرى هذا اليمين يتحالف مع «المحافظين» خاصة فى الأمور الأخلاقية، كزواج المثليين ـ والتبنى للعائلات المثلية والأجهاض ـ وتنظيم النسل بالوسائل الصناعية وغيرها من الأمور التى يعتبرها المحافظون غير أخلاقية حتى لو كانت متقدمة علميا، وأبلغ مثال على ذلك هو ادعاء كل من المرشحين اليمين الفرنسى بقربهم من أفكار قداسة البابا فرنسيس ويقدمان أنفسهما ككاثوليك ـ وهذه لغة جديدة لم يسمعها المواطن الغربى من قبل وهو خلط الدين بالسياسة وقد فعل ترامب فى أمريكا نفس الشىء كما يقدمون أنفسهم الأقرب إلى أفكار الرئيس الروسى بوتين.
3 ـ لا يجب أن يغفوا عنا أن من أسباب صعود تيار أقصى اليمين هو رد على صعود تيار الإسلام السياسى والسلفى فى تلك الدول وارتباطه (أردنا أو أبينا) بموجة الإرهارب الحالى التى تجتاح العالم فما أكثر الحوادث التى جرت فى العامين الماضيين والتى مست أعماق الأوربيين الذين يقدسون حريتهم والحريات عامةً وبدأوا فى اعتبار الإخوان المسلمين والموالين لهم فى الغرب جماعات إرهابية فأفكارهم تهدد ديمقراطيتهم ولا تتوافق مع التقاليد الغربية وأسلوب حياتهم.
4 ـ أما فى الشأن الاقتصادى لاستقطاب الوسط واليساريين يعدْ هذا اليمين البسطاء والعمال والأكثر هشاشة والذين بدون عمل «بحمايتهم» (وهذا هو التعبير الجديد) من سيطرة رأس المال المتوحش وإصلاح المنظومة الاقتصادية وعمل كل الجهد الممكن لإعلاء كرامة الإنسان خاصة الأكثر ضعفا من خلال برامج الضمان الاجتماعى والصحى.
5 ـ كذلك يحذر هذا التيار بأن أوروبا تفقد هويتها التاريخية وحدودها الجغرافية من خلال الذوبان فى دول وثقافات أخرى ويرون أن القرار السياسى لم يعد قرارهم بل قرار بروكسيل ـ عاصمة الاتحاد الأوروبى ـ والتى تقرر سياسات كثيرة ليس فقط فى المجال السياسى ولكن الصناعى والزراعى مما يعود بالخسارة على هذه القطاعات، وبالتالى لا ترى أن الاتحاد الأوروبى عاد عليهم بالنفع بل عكس ذلك عاد عليهم بالخسارة.
6 ـ كما يرون أن زيادة عدد المهاجرين من العرب والدول الإسلامية والزيادة المضطردة فى مواليد تلك الجاليات التى أتت فى الأساس إلى الغرب للعمل فى المصانع والمزارع فاق «حد الأمان» بالنسبة لهم وأصبح يلقى بظلال ثقيلة بزيادة عددهم ومطالبهم بمكانة خاصة فى التشريع والعمل وأسلوب الحياة والتقاليد. فلم يعد التنوع غنى كما كان يقال إذا تسبب فى مواجهة بين الجماعات.
7 ـ من مشاكلهم الاجتماعية أن كل شخص فى الغرب أصبح هو أيضا مشغولا بنفسه أى الفردنية، فبالتالى كثير من القيم التآخى والتضامن والمشاركة مع الآخر والجماعية تلاشت لصالح الفردية، وفى السياق ذاتـه فقد الغرب كثيرا مـــــــن «روحه» أى القيم الروحية التى تأسس عليها وذلك لصالح «قيم الجمهورية» أو قيم العلمانية ومعها الإلحاد بأنواعه والتى لم تعد تروى الظمأ الروحى لكثير من الأوروبيين.
لا ننكر أن كثيرا من همومنا هى هموم هذا اليمين ولذا لا يجب أن ننظر إليهم بأنهم متطرفون لأن هناك مشتركات معهم على الصعيد محاربة الإرهاب وكشف زور الإسلام السياسى الذى لا يعبر عن الإسلام الحقيقى وكذلك على الصعيد الأخلاقى النابع من تقاليدنا وادياننا فلنبحث عن المشترك معهم فهى اللغة التى سيفهمونها شريطة أن نخطو خطوات كبيرة نحو حقوق الإنسان وحرياته المختلفة ومحاربة الفساد وإعلاء قيم العمل حتى يروا فينا شركاء وليس حملا اقتصاديا ثقيلا عليهم.