تحديات أمام وعود ترامب واختياراته لمساعديه
رخا أحمد حسن
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 - 6:25 م
بتوقيت القاهرة
حقق دونالد ترامب فوزًا كبيرًا فى انتخابات الرئاسة الأمريكية فى 5 نوفمبر 2024، وفاز الحزب الجمهورى بأغلبية مجلس الشيوخ والنواب فى الكونجرس الأمريكى، وذلك بدعم قوى من القوى الأمريكية الفاعلة خاصة اليمين الأمريكى الشعبوى الذى أخذ فى التصاعد منذ نهاية تسعينيات القرن العشرين وخلال فترتى رئاسة بوش الابن. وإن اختيار الحزب الجمهورى ترامب مرشحه لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو رجل الأعمال الذى أراد خلال رئاسته الأولى (2016 - 2020) إدارة الدولة الأمريكية بمنهج ومنطق إدارة الشركات ومركزية دور صاحب الشركة رئيس مجلس الإدارة. وإن إعادة اختياره مؤشر على رغبة فى إحداث تغييرات وتطوير غير تقليدى فى الإدارة والبيروقراطية الأمريكية داخليًا وخارجيًا.
كما أن عدم تحقيق الإدارة الديمقراطية إنجازات مهمة على مدى أربع سنوات، وتوريط الولايات المتحدة والدول الأوروبية فى حرب مع روسيا على أرض أوكرانيا وما أدت إليه من إرهاق للميزانية الأمريكية وميزانيات الدول الأوروبية وتحمل مواطنى هذه الدول تبعات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، والدعم غير المحدود لحرب إسرائيل على غزة ولبنان. وحالة الارتباك فى الحزب الديمقراطى والتردد فى عدم ترشح بايدن ثم انسحابه بعد فوات الأوان، وعدم ترشيح شخصية قوية تنافس المرشح الجمهورى ترامب، وعدم إدراك أن هاريس ليست المنافس المناسب. كل ذلك ساهم فى الفوز الكبير لترامب.
• • •
وقد أطلق ترامب أثناء حملته الانتخابية المستمرة منذ خسارته الانتخابات فى عام 2020، عدة وعود وعبر عن التزامه بتحقيقها عقب عودته إلى البيت الأبيض فى 20 يناير 2025، ومنها وعده بإعادة أمريكا عظيمة قوية لها سيطرتها فى العالم بقوتها الاقتصادية، وتخفيض الضرائب على رجال الأعمال، وفرض رسوم جمركية على الواردات من الصين ودول الاتحاد الأوروبى لحماية الصناعات الأمريكية. وقد حذر الخبراء الاقتصاديون الأمريكيون وغيرهم من أن اللجوء إلى سياسات الحماية الجمركية سيدفع الصين والمنافسين الآخرين إلى المعاملة بالمثل فيما يلحق أضرارًا كبيرة بالتجارة الخارجية الأمريكية، كما أنه يمس الشركات الأمريكية العابرة للقارات، والتى بها فروع فى الصين وأوروبا وغيرهما، كما ستؤدى إلى زيادة الأسعار فى السوق الأمريكية، مما يزيد من صعوبة الحياة للأمريكيين. كما أن المغالاة فى السياسات الحمائية يتعارض مع ما تطالب به الدول الغربية والولايات المتحدة ومنظمة التجارة العالمية من حرية التجارة.
وعد ترامب بأنه سيحقق السلام فى العالم وإنهاء الحرب الأوكرانية والحروب فى الشرق الأوسط، وأن تكون قوة وعظمة أمريكا سندًا وداعمًا لتحقيق السلام. ولم يعلن ترامب حتى الآن أية خطة لكيفية إنهاء الحرب الأوكرانية التى ستكمل عامها الثالث مع دخوله البيت الأبيض. إن روسيا موقفها فى غاية الوضوح من أن أى مفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية تكون على أساس الواقع العملى على الأرض، وهو ما يعنى عدم تنازلها عن الأقاليم الأوكرانية التى تسيطر عليها لأنها ترى أن هذه الأقاليم روسية ضمت لأوكرانيا وتم استردادها. وهل تقبل أوكرانيا والدول الأوروبية بالموقف الروسى الذى يعنى هزيمة لكل من شاركوا فى دعم أوكرانيا وإمدادها بأحدث الأسلحة والدعم المادى والسياسى بما فى ذلك الولايات المتحدة. وماذا سيكون تأثير ذلك على شعوب الدول الأوروبية تجاه حكوماتها التى حملتهم أعباء كبيرة لسداد فواتير دعم أوكرانيا، الأمر الذى قد يؤدى إلى سلسلة من تغيير الحكومات فى عدة دول أوروبية، ومدى تأثير ذلك على العلاقات الأوروبية الأمريكية فى عدة مجالات، على ضوء خروج روسيا منتصرة.
كما يتمسك ترامب بموقفه السابق من أن الدول التى تريد حماية أمريكية عليها أن تدفع التكلفة، ومطالبة الدول أعضاء حلف الناتو بزيادة الحصة المالية لمشاركتهم فى نفقات الحلف لأنهم الأكثر استفادة من مظلته التى توفر لهم الحماية من أى احتمالات تهدد أمنهم، خاصة الدول الأوروبية التى ليس لديها أسلحة نووية ومنها ألمانيا وإيطاليا وغيرهما ما عدا فرنسا وبريطانيا. ويتعارض مطلب ترامب مع مطلبه بأن تكون أمريكا عظيمة وقوية ومسيطرة، وهو ما يحيى من جديد مشروع إنشاء قوة عسكرية أوروبية متوازية مع الناتو حتى لا تظل الدول الأوروبية تحت النفوذ الأمريكى.
• • •
أما وعد ترامب بإنهاء الحرب فى الشرق الأوسط، أى فى غزة ولبنان، وما تسرب فى الإعلام الأمريكى من أنه طلب من رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو أن يوقف القتال فى غزة ولبنان قبل توليه رسميًا الرئاسة الأمريكية، فثمة فروق كبيرة بين وقف القتال وبين التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة لكل الأطراف، حيث يمكن وقف القتال مع استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلية فى كل من قطاع غزة وجنوب لبنان، وهو ما يعنى مجرد تهدئة وتسكين للأوضاع لصالح إسرائيل. ودون حلول جذرية، خاصة للقضية الفلسطينية، فلن يتحقق السلام فى الشرق الأوسط، وستبقى إسرائيل دولة عدوانية توسعية وتتسع دائرة عدم قبولها فى المنطقة بعد جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وانتهاك كل القوانين الدولية والتعدى بالقوة على هيئات ومنظمات تابعة للأمم المتحدة، وفى مقدمتها الأونروا.
لقد سبق أن طرح ترامب خلال رئاسته الأولى ما عرف بخطة السلام والازدهار، أو صفقة القرن لحل القضية الفلسطينية، وتضمنت تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين بأن يبقوا فى الدول الموجودين بها مقابل مبالغ مالية لكل دولة (ولم يتضمن سوريا)، وإقامة دولة فلسطينية تحت السيادة الأمنية الإسرائيلية، وقد رفضت هذه الصفقة فلسطينيًا وعربيًا، ولم يطرح ترامب خطة بديلة، فهل ما يزال متمسكًا بها رغم رفضها. كما أن السفير الأمريكى فى إسرائيل الذى اختاره ترامب من أشد المؤيدين لإسرائيل وسبق أن أعلن أنه لا يوجد شيء اسمه فلسطين ولا الضفة الغربية، وإنما توجد يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وإذا أرادت الحكومة الإسرائيلية ضمها فسيتم دعمها فى ذلك. وصرح ترامب نفسه بأن إسرائيل دولة صغيرة وسيساعد على تكبيرها. ويتواكب ذلك مع تصريحات لوزراء فى الحكومة الإسرائيلية عن النية لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، مع معارضة نتنياهو وحكومته لإقامة دولة فلسطينية. وتتعارض هذه التصريحات تمامًا مع افتخار ترامب بأنه أنجز خلال رئاسته الأولى الاتفاقات الإبراهيمية للتطبيع مع عدة دول عربية، وقد أصبح الآن من الصعب للغاية الاستمرار فى تطبيقها دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وقد اختار ترامب السيناتور الجمهورى ماركو روبيو وزيرًا للخارجية ترضية للجاليات اللاتينية التى أيدته، حيث ينتمى روبيو للجالية الكوبية فى الولايات المتحدة، وهو من أشد المؤيدين لإسرائيل وسبق أن صرح بأنه يجب القضاء على الحيوانات البشرية فى قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى الفلسطينية، ومن أشد المعارضين لإيران والصين. ويؤيد فرض أقصى العقوبات على إيران لمنعها من تصنيع أسلحة نووية، دون معرفة أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووى مع إيران فى أبريل 2018 أدى إلى أن ترفع إيران نسبة تخصيب اليورانيوم من 20% فقط إلى 60% الآن. كما أن العقوبات الاقتصادية لم تمنع إيران من دعم أذرعتها فى لبنان والعراق وسوريا واليمن إلى جانب دعمها لحركتى حماس والجهاد الإسلامى فى قطاع غزة. كما أن انضمام إيران إلى تجمع البريكس يخفف كثيرًا من آثار العقوبات. وتمد الرئاسة الإيرانية الجديدة يدها للتعاون مع واشنطن والدول الغربية للتوصل إلى اتفاق وإنهاء المقاطعة، فهل يستجيب ترامب، أم سيستمر فى معاداته لإيران، علمًا بأنها لا تمتلك أسلحة نووية حتى الآن، بينما إسرائيل لديها أسلحة نووية هدد أحد وزرائها باستخدامها فى حرب إسرائيل على غزة. وهذا يظهر التناقض الصارخ فى الموقف الإسرائيلى الأمريكى من إيران. وقد أبطل تحسن العلاقات بين إيران ودول الخليج العربية مفعول استخدامها فزاعة ضدهم تهدد أمنهم.
• • •
تثير اختيارات ترامب لوزراء حكومته ومستشاريه الكثير من علامات الاستفهام، لأن أغلبيتهم إما أصدقاء أو مؤيدين له ولسياساته ووعوده، بغض النظر عن مدى ما يتمتعون به من كفاءة وخبرات فى الوزارات والمهام التى سيتولونها. بل إن اختياره لضابط احتياط سابق ومذيع تليفزيونى حالى، ودراسته الأساسية الطب البيطرى، بيت هيجسيت، وزيرًا للدفاع، وعلامات استفهام عن إمكانية موافقة الكونجرس عليه وعلى غيره من الترشيحات، وهل سيكون الكونجرس بمجلسيه بمثابة كابح لشطحات ترامب واندفاعاته سواء فى اختياراته أو سياساته أم سيجاريه ويؤيده.
إن كل المؤشرات من واقع التصريحات والاختيارات توضح أن ترامب قد يطرأ عليه بعض التغييرات بحكم تجربته السابقة، وبحكم المتغيرات الدولية والإقليمية خلال السنوات الأربعة الماضية، إلا أنه يتعين الأخذ فى الاعتبار أنها لن تكون تغييرات جوهرية بل إن فوزه الكبير قد يقنعه بسلامة اختياراته والتمسك بها بقوة، وهو الأمر الذى يتطلب أن تستعد الدول العربية بالتعاون مع دول الجوار له بتحديد مواقف وسياسات ومسارات تحافظ على حقوق الشعب الفلسطينى، والشعوب العربية فى مواجهة مرحلة صعبة للغاية.