الشباب والتاريخ الملتبس
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 - 6:25 م
بتوقيت القاهرة
فى تجربة سابقة للحوار مع عدد من الشباب فوجئت بأن عددا منهم لا يُستهان به لا يعرفون شيئًا عن تاريخ مصر، ويمتلك بعضهم فى أحسن الأحوال قشورًا عن مراحل زمنية سابقة من الكتب المدرسية، بما فى ذلك الأحداث الكبرى مثل ثورة 1919، كما كشفت فعاليات ثقافية عقدت منذ بضع سنوات بمناسبة مرور مائة عام على هذا الحدث التاريخى، ووجدنا البعض الآخر من الشباب يمتلك وعيًا مشوهًا نابعًا من الأعمال السينمائية، فيستمد نظرته إلى العهد الليبرالى من أفلام مثل «غروب وشروق»، و«رد قلبى»، والموقف من حكم الرئيس عبد الناصر فى فيلم «الكرنك»، و«شىء من الخوف»، و«ميرامار»، وغيرهم، وظهرت أفلام عديدة تنتقد سياسة الانفتاح الاقتصادى، ونتائجها فى عهد الرئيس السادات. أما الرئيس حسنى مبارك فسمح بعرض أفلام تنتقد عهده مثل «هى فوضى»، و«طيور الظلام»، و«عمارة يعقوبيان»، و«الغول»… إلخ. لا تصلح هذه الأعمال السينمائية، وغيرها، أساسا لبناء وعى تاريخى، فهى مُحملة بأحكام السياسة، والفلسفات الشخصية، والنظرة المختزلة للتاريخ، وهى فى كل الأحوال أعمال سينمائية، وليس مطلوبا منها أن تقدم نظرة محايدة للتاريخ.
فى المساجلة بين الفنان حسين فهمى والمخرج خالد يوسف على قناة تلفزيونية غير مصرية وجدت تلاسنا مشوها للتاريخ، ويعد هذا النهج فى التعامل مع الماضى هو أحد أسباب اهتزاز الوعى التاريخى لدى الأجيال المتعاقبة، والحكم على فترات من تاريخ مصر بطريقة سطحية تفتقر إلى العمق، فلا يمكن أن نختزل عهد عبدالناصر فى هزيمة يونيو 1967 أو نعتبر أن ما يحدث فى غزة هو نتاج ما فعله الرئيس أنور السادات فى معاهدة كامب دافيد. هذه الحالة الاختزالية فى التعامل مع التاريخ تسربت إلى وعى المصريين فى كل مؤسسة أو كيان يفرزون التاريخ فيه من منطلق الاتهامات المتبادلة وليس بناء الخبرات.
يحتاج الوعى بالتاريخ إلى نظرة «غير أيديولوجية»، ترصد كل مرحلة بموضوعية، ما لها وما عليها، وتخرج من شرنقة الحكم على الماضى بمنظور الصواب والخطأ، وتتوقف عن إسقاط الاتهامات السياسية على رؤساء وقيادات. فى يقينى لم يحكم هذا الوطن شخص غير وطنى بالمعنى الواسع، ولكن اختلفت ظروف كل عصر، وطبيعة إدراك الحكام، ولا يصح أن نحكم على عصر بظروف عصر آخر. فقد كان الملك فاروق وطنيًا، لكن عهده تلوث بالفساد، وهكذا عبد الناصر، والسادات، ومبارك، كان لعهد كل منهم مزايا، وانطوى على عيوب أيضًا. ليس مطلوبًا محاكمة الماضى، ولكن استخلاص الدروس المستفادة منه. للأسف فى منعطفات كثيرة يبدو أننا لا نتعلم من الماضى، ونصر على اقتراف نفس الأخطاء. والسبب هو استمرار النظرة الاختزالية للتاريخ، وغياب أريحية الفهم، والتفسير، والتقييم العقلانى، وغلبة النظرة الضيقة، والتشنج الأيديولوجى.
نعود إلى الشباب، الذى أخفق المجتمع بامتياز فى نقل تجارب التاريخ إليهم، إذ كلما استمعنا إليهم ندرك أن وعيهم بالتاريخ مشوهًا إن كان موجودًا من الأساس. وقد تجد فى أذهانهم أحداثا متفرقة، لا يجمع بينها رابط، ولا فهم عميق، ولا تصور لمسيرة الماضى، حتى ندرك فى أى اتجاه نذهب. متى نقدم التاريخ بموضوعية للشباب؟ هل هى مسئولية المؤرخين وأساتذة التاريخ، أم مناهج التعليم، أم الإعلام، أم مؤسسات الثقافة؟ أم جميعهم؟