دائـرة التغيير


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأحد 26 ديسمبر 2010 - 10:32 ص بتوقيت القاهرة

 أخبرنى بأنها ليست المرة الأولى له التى يقرر فيها أن يكف عن هذا السلوك، وأنه كثيرا ما اتخذ قرارات، لكنه سرعان ما يرجع عنها. شاركنى بمشاعر الإحباط واليأس، كنت أفهم جيدا ما الذى يعنيه أن تقرر تبطيل شىء يضايقك مهما كان وتستمر لفترة ثم تعود لتنتكس مرة أخرى.

هذه الانتكاسة التى يأتينى بها الأهل محملين بمشاعر الإحباط والأشخاص أنفسهم أصحاب السلوكيات التى يريدون التغيير فيها. هاتفتنى أم منذ أيام لتخبرنى أن ابنها المدمن، الذى تعافى لمدة شهر انتكس مرة أخرى وأنها محبطة وغير مؤمنة بأى قدرة على إعانتها وإعانته من الإدمان.

الانتكاس لا يعنى العودة إلى المخدرات فقط، بل يعنى العودة إلى كل ما قررت الإقلاع عنه.. لى تجارب عدة فى الانتكاس من سلوكيات قررت التراجع عنها، كإضاعة الوقت أمام الفيس بوك ووضع جدول عمل للمذاكرة المستمرة، كثيرا ما انتكس فى هذه السلوكيات وأعود مرة أخرى بعد قرار التغيير.

لكن أكثر ما كان يشجعنى ويشجع من يعرفون دائرة التغيير لعالمى النفس «بروشيسكا» وديكلمانت» هو أن الانتكاسة هى إحدى مراحل التغيير، التى يمر فيها الفرد فى عملية التغيير الحقيقية.

فأولى مراحل عجلة التغيير هى مرحلة التفكير فى التغيير، مجرد التفكير، كثيرا ما أجلس مع أحد أصحاب السلوكيات الخطرة ويتناقش معى فى جدوى التغيير، ويمر بما نسميه «ازدواجية الميل» بمعنى أن يحكى لى عن رغبته فى التغيير ثم يتحدث عن المعوقات، التى لا يستطيع تخطيها أبدا، والتى ستمنعه من التغيير. أتذكر أحد مدمنى العلاقات، وهو يتحدث عن شعوره بالقرف من نفسه وهو يخون زوجته التى لا تستحق كل ذلك على حد قوله. وشاركنى برغبته فى التغيير من هذا المستنقع كما قال، لكنه جلس يتحدث عن تلك اللذة، التى يشعر بها عند بدء كل علاقة والتى تدفعه إلى الاستمرار رغم العواقب.

هنا ما يخرج الفرد من هذا المأذق هو أن تسمعه جيدا دون إدانة وتساعده فى عمل كشف بأرباح وخسائر ما يقوم به، أرباح وخسائر العلاقة الأخرى فى المثال السابق، وعند تجاوز هذه المرحلة يدخل الفرد فى المرحلة التالية، وهى «القرار» والذى يستعجله الأهل بشدة، كثيرا ما يأتى إلى أهالى ويتحدثون بسلبية شديدة عن أبنائهم، ويتساءلون: «لماذا لا يريد الخروج من كل هذا القرف؟» لكن لو تأمل كل منا فى حياته بعمق سيجد سلوكا واحدا على الأقل متوقفا فى اتخاذ قرار بشأنه.

احترم أصحاب السلوكيات الخطرة بشدة عندما يمرون بهذه المرحلة، وأشعر كم هو قاسٍ أن تتخلى عن ما تفعله دوما.

يلى ذلك مرحلة «الفعل»، وهى أن تبدأ باتخاذ خطوة حقيقية فى اتجاه ذلك، لو كنت مدمنا تبدأ فى تلقى العلاج وتدخل مركزا لإعادة التأهيل، فى حالتى وأنا أضيع وقتا طويلا أمام الفيس بوك أغلقه من على الجهاز لأيام معدودة وأتبع ذلك بدقة.

فى هذه المرحلة نحتاج إلى الدعم والتشجيع للخطوة الجديدة التى نفعلها، أتذكر أما لمراهق كان يعانى قلة الدافعية فى المذاكرة، وعندما بدأ فى اتخاذ القرار بالمذاكرة، وكان يشعر بأهمية التشجيع فى ذلك، كانت أمه تشعر بالحيرة، كيف لها أن تشجعه على المذاكرة لأربع ساعات فى اليوم، فهذا أقل من الطبيعى والمنطقى بالنسبة لها، لكن بالنسبة له هذا تغيير حقيقى مر فيه بمراحل عدة.

وتأتى بعد ذلك مرحلة «الاستمرارية» فى التغيير أو مرحلة «الانتكاسة»، وهى التى تحبطنا بشدة، لكنك إذا علمت أن «بروشيسكا وديكلامنت» وضعاها داخل الدائرة كإحدى مراحل التغيير، وأنه يتبعها التفكير مرة أخرى والفعل والاستمرارية، وأن الشخص الطبيعى يمكنه أن ينتكس فى السلوك لمرتين أو ثلاث قبل أن يتوقف عنه نهائيا ربما لتشجعنا.

عندما أتحدث عن دائرة التغيير مع الأشخاص المنتكسين أو أذكر نفسى بها عند الانتكاسة تنتابنا مشاعر قوة إيجابية للبدء من جديد. أتذكر إحدى البنات العاملات بالجنس، التى دخلت فى علاقة مع شخص بعد قرار التبطيل وشعورها بالندم لدرجة رفض المقابل المادى للجنس فى هذه المرة، وعندما سمعت عن هذه الدائرة وجلسنا سويا تشجعت، واستكملت التغيير وهى الآن متوقفة عن الجنس التجارى منذ عام تقريبا.

فلنسامح أنفسنا عند حدوث أى انتكاسة ولنعرف أن بعدها سيأتى قرار بالتغيير الحقيقى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved