الأسئلة الغائبة فى النقاش حول الدستور القادم


هويدا عدلى

آخر تحديث: الإثنين 26 ديسمبر 2011 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

فى إطار صخب الانتخابات البرلمانية تأتى أصوات من هنا وهناك تتحدث عن دستور مصر المقبل، فتارة تصرح بعض قيادات حزب الحرية والعدالة أن الأبواب ذات الصلة بالحريات فى دستور 1971 أبواب جيدة جدا ويجب أن تنقل للدستور الجديد كما هى، وتارة أخرى يتكرر أن المشكلة الأساسية فى الدستور القادم هى كيفية إحداث التوازن فى الاختصاصات والصلاحيات بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وأنه لابد من تقليص سلطات مؤسسة الرئاسة. وفى ضوء كل هذه الآراء والإشارات لا أحد يثير تساؤلا جوهريا ألا وهو ما الغاية الكبرى من إعداد دستور جديد لمصر؟ ما الذى نتمنى أن يحققه الدستور القادم؟ ما هى التحديات الأساسية التى يجب أن يتعامل معها الدستور القادم؟ إذا اتفقنا أن أمام مصر تحديين أساسيين وهما تحقيق الديمقراطية والتنمية معا وخرجنا من إطار الحسابات السياسية الضيقة والتى تحكم غالبية التيارات السياسية والأحزاب السياسية سنجد زوايا جيدة عند النظر لما هو مفترض أن يتضمنه الدستور القادم.

 

●●●

 

إن إنجاز تحول ديمقراطى حقيقى وليس شكلى والشروع فى مشروع تنموى نهضوى يتعامل بحسم مع جوانب الخلل الهيكلية فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصرية يتطلب دستورا ذا فلسفة متكاملة تنعكس فى مضامين أساسية كالتالى:

 

- الضمانة الكاملة للحقوق والحريات الأساسية سواء كانت اقتصادية واجتماعية وثقافية أو سياسية ومدنية. ومن يقول إن دستور 1971 كان دستورا جيدا فى هذا الشأن يتجاهل أمرا خطيرا، وهو أن دستور 1971 وما قبله من دساتير من أول دستور 1923 وقعوا جميعا فى خطأ فادح بإعطاء المشرع حق تنظيم الحق أو الحرية. فالحقوق والحريات مكفولة فى جميع الدساتير المصرية منذ 1923 إلى 1971 مع إيراد نص وفقا لما يقرره القانون. وقد جاء المشرع المصرى فى كثير من الأحيان بل فى غالبها ووضع قوانين أدت لانتهاكات فاضحة للحق، بل ومست بأصل الحق. فعلى سبيل المثال النص على الحق فى التنظيم والتجمع وتكوين الجمعيات نص موجود فى دستور 1971 وما قبله من دساتير، لكن قوانين الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والمهنية والتى أصدرها المشرع لتنظيم هذه الحقوق مست بأصل هذه الحقوق تماما ومثلت انتهاكا خطيرا لها. وعلى هذا فإن الدستور القادم يجب أن يتضمن بجانب النص على الحق، إيراد ضمانات لعدم المساس بهذا الحق، تضمن عدم ترك تنظيمه للمشرع بلا ضوابط وقيود.

 

- قضية اللامركزية هى القضية المحورية الثانية فى الدستور القادم. فبدون تطبيق نظام لامركزى حقيقى وكامل إدرايا وسياسيا وماليا، علينا أن ننسى تماما إننا ممكن أن نحقق التنمية العادلة والمتوازنة فى مصر، وعلينا أن ننسى تماما تحدى القضاء على الفقر والذى تصل نسبة من يعيشون فى ظله أكثر من 40% من السكان. والحقيقة أن هذه القضية مسكوت عنها تماما فى أى حوارات حول الدستور، مع أن اللامركزية هى البوابة الحقيقية للتنمية والديمقراطية معا. اعتبر دستور 1971 أن المجالس الشعبية المحلية المنتخبة جزء من السلطة التنفيذية، هذه المجالس التى من أهم مهامها تمثيل السكان المحليين ومراقبة الإدارة المحلية. كيف يمكن لسلطة تنفيذية أن تراقب سلطة تنفيذية. والحقيقة أن هذا ليس التعديل الوحيد المطلوب، فالمطلوب نظاما لا مركزيا على ثلاث مستويات الإدارية والمالية والسياسية، ينقل الصلاحيات والاختصاصات من الحكومة المركزية إلى المحافظات مع وضع نظام واضح للشفافية والمساءلة، يضمن للمواطن مساءلة السلطات المحلية ورقابتها ويضمن الرقابة المتبادلة بين الحكومة المركزية والمحليات.

 

- العلاقة بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية : أن ضمان عدم تغول السلطة التنفيذية وفى القلب منها مؤسسة الرئاسة يجب أن يتضمن بجانب الحد من اختصاصاتها، تقوية صلاحيات البرلمان فى التشريع والرقابة وتمكينه بأدوات رقابية حقيقية وفعالة وقابلة للاستخدام. كما يتطلب تحقيق ذلك ضمان استقلال السلطة القضائية تماما عن السلطة التنفيذية.

 

- العلاقة بين الدولة والمجتمع المدنى : قاست منظمات المجتمع المدنى سواء جمعيات أهلية أو نقابات مهنية وعمالية أو تعاونيات وغيرها الويلات من النظام السياسى السابق. فقد كانت العلاقة القائمة بين المجتمع المدنى فى غالبية تشكيلاته وبين النظام السياسى قائمة على قهر الأخير للأول واستبعاده تماما. وقد كانت النتيجة إننا كنا نسير عكس ما يسير العالم كله، فأغلب دول العالم المتقدم والنامى تتحدث عن دور المجتمع المدنى فى التحول الديمقراطى وتحقيق التنمية الشاملة من خلال بناء الشراكات بين الحكومات والمجتمعات المدنية فى تلك البلدان، ونحن فى مصر نتحدث عن العمالة والتخوين وتهديد الأمن القومى الذى يسببه كثير من منظمات المجتمع المدنى. لابد من إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدنى على أساس الثقة والاعتماد المتبادل ووضع أطر مؤسسية تضمن مشاركة المجتمع المدنى فى صنع السياسات وتنفيذها وتقييمها. فالمجتمع المدنى فى نهاية الأمر هو المؤسسات التى تنظم المواطنين فى نقابات أو جمعيات أو اتحادات أو غيره. وكلما كان المجتمع المدنى قويا كلما أدى هذا إلى تقوية ثقافة المساءلة فى المجتمع وكلما أدى إلى استقرار النظام السياسى ودعم شرعيته.

 

●●●

 

اعتقد أن الأوان جاء لنفكر فى هذه القضايا ونتدارسها ونبتعد عن معاركنا العبثية حول الدولة المدنية والدولة المدنية ذات المرجعية الدينية والدولة الدينية ونفكر بشكل علمى يعلى من قيمة المصلحة الوطنية على الحسابات السياسية الضيقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved