فوضى الإحصاءات والتحليلات الاقتصادية

محمود عبد الفضيل
محمود عبد الفضيل

آخر تحديث: الجمعة 26 ديسمبر 2014 - 7:35 ص بتوقيت القاهرة

انتشرت خلال السنوات الأخيرة تقارير وتحليلات اقتصادية تتحدث عن حجم النشاط الاقتصادى الذى تقوم به القوات المسلحة، أو ما يسمى عرفا «اقتصاد الجيش»، وكذلك حجم النشاط الاقتصادى فى إطار ما يسمى «بالقطاع غير الرسمى» فى الاقتصاد المصرى. وفى الحالتين قدر البعض أن كلا من الاقتصاديين الفرعيين يتراوح حجمه ما بين 40 و 60 %. وإذا أخذنا بتقديرات الحد الأدنى، فإن مجموع الأنشطة الاقتصادية التى تقوم بها القوات المسلحة أو التى يتضمنها القطاع «غير الرسمى» يصل إلى نحو 80 % من الناتج المحلى الإجمالى. وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يكون نصيب القطاع «الرسمى المدنى» بما يشمل من أنشطة زراعية وصناعية وتجارية وخدمية؟ وهذا يوضح النظرة الجزئية للأمور دون الأخذ فى الاعتبار علاقات الترابط والتفاعل بين الأنشطة الاقتصادية المختلفة.

وبالنسبة للأنشطة الاقتصادية التى تخضع لإشراف القوات المسلحة فهى تتكون من شقين: المشروعات التى تغطى فروع النشاط المختلفة التى تنتج سلع غذائية أو سلع وسيطة أو سلع معمرة من ناحية، أو أعمال المقاولات التى تقوم بها الإدارة الهندسية للقوات المسلحة والتى يتغير حجمها من سنة لأخرى. ولتقدير حجم هذا الاقتصاد الفرعى لابد من توافر ميزانيات الشركات والوحدات الإنتاجية فى القطاع المنتج للسلع والخدمات وتقدير حجم أعمال المقاولات بعد استبعاد حجم التعاقدات من الباطن مع القطاع الخاص. والحساب الصحيح يقتضى تحديد القيم المضافة المتولدة فى هذه الأنشطة وعدم الخلط بينها وبين رءوس الأموال المستثمرة أو إجمالى الإنفاق العام على هذه المشروعات والأعمال، الأمر الذى يؤدى إلى كثير من المبالغات.

وكذلك من المعروف أن جانبا مهما من النشاط الاقتصادى الكلى فى المجتمع ليس مسجلا. إذ إن الأنشطة الاقتصادية المسجلة فى الحسابات القومية الرسمية لا تشمل أنشطة القطاع «غير الرسمى» أو أنشطة ما يسمى بالاقتصاد «غير الشرعى» (Black Economy) الذى يشمل تجارة واستهلاك المخدرات وكذا أنشطة تهريب السلع للاقتصاد القومى وغيرها من الأنشطة المماثلة. ومهما قيل عن دراسات قام بها اقتصاديون أجانب عن هذه القضايا فى الحالة المصرية فهى ليس لها أية حجية علمية، لأن البيانات التفصيلية لمكونات هذه الأنشطة غير متاحة، كما أن المنهجية لتركيب هذه البيانات ولتفادى الازدواجية فى الحساب غير مستقرة علميا، ولهذا فإن هذه التقديرات مجرد تخمينات تستند إلى افتراضات محددة.

•••

ومفهوم القطاع «غير الرسمى» ظهر أول ما ظهر فى الدراسة التى أعدتها بعثة مكتب العمل الدولى إلى كينيا عام 1972، وشمل هذا التعريف صنوف من المهن والأنشطة المتنوعة: خدمية أو صناعية (ورش بير السلم) أو أعمال إضافية خارج أوقات العمل الرسمية، أو ما كان يسمى فى الأدبيات «العمل خلسة فى ضوء القمر» Moon Lighting. ولكن السؤال الأهم هو من يقوم بتنشيط وتشغيل هذا «القطاع غير الرسمى»:

• هل يقوم هذا القطاع بتشغيل نفسه بنفسه، أى أنه يقوم على تبادل الخدمات والصفقات بين المتعاملين فى إطار هذا القطاع؟

• أم يتوقف انتعاش وحيوية هذا القطاع «غير الرسمى» على تحفيز عناصر طلب مشتق من الدخول المتولدة فى القطاع الرسمى. أو من خلال طلب مشتق من القطاع الخارجى (السياحة بشكلٍ أساسى)؟

إن علاقات الترابط هذه الأمامية والخلفية هى التى تحدد المسار الدينامى للقطاع «غير الرسمى» الذى لا ينشط فى فراغ، بمعنى أنه إذا انكمش حجم ونشاط القطاع الرسمى أو قطاع السياحة فإن ذلك يؤثر بلا شك على توسع أو انكماش أنشطة وحجم القطاع «غير الرسمى».

وإذا كان بعض المسئولين تحدثوا فى السنوات الأخيرة عن دمج القطاع «غير الرسمى» فى المجتمع الضريبى بهدف توسيع القاعدة الضريبية ورفع الحصيلة، فإن هذه المحاولة سوف يكون مصيرها الفشل. إذ إن الجانب الأعظم من أنشطة القطاع غير الرسمى هى أنشطة ضعيفة الإنتاجية يتولد عنها دخول قريبة من حد الكفاف أو (حد الإعفاء). وفى حالة الأنشطة الصناعية وورش الإصلاح فهى أنشطة متناهية الصغر ولا توجد لديها دفاتر أو حسابات منتظمة، مما يجعل من الصعب وضع نظام ضريبى تفوق تكلفته العائد المتولد من الحصيلة الضريبية، نظرا لصعوبة الحصر والربط والتحصيل. أو كما يقول المثل الشعبى: «ماذا يأخذ الريح من البلاط؟».

•••

ومن الخبراء الأجانب الذين يتاجرون «بالاقتصاد غير الرسمى هيرناندو دى سوتو مؤسس معهد الحرية والديمقراطية فى بيرو، والتلميذ النجيب لميلتون فريدمان أحد أعلام مدرسة شيكاغو. وقد زار مصر عدة مرات وتحدث عن ما أسماه رأس المال الميت (Dead Capital) لدى الفقراء فى مصر. ومن ضمن مقولاته التى تتسم بالشعوذة: «أن الفقراء فى مصر يمتلكون 92 % من البنايات و88 % من جميع المشاريع وذلك خارج إطار القانون. وهى تشكل ما مقداره 248 مليار دولار».

وما يهدف إليه دى سوتو فى الحقيقة، هو دمج المشروعات متناهية الصغر والملكيات الصغيرة للأراضى فى اقتصاد السوق، ولا عزاء للمعدمين. وقد تعرضت مقولات والأساليب الإحصائية لدى دى سوتو لنقد شديد فى المجلات العلمية المتخصصة، رغم الحفاوة التى يحظى بها فى الدوائر الغربية ومنظمات التمويل الدولية.

خلاصة القول هنا أن الاقتراب من تلك القضايا يجب أن يصاحبه رفع لكل الالتباسات حول التعاريف وأساليب القياس حتى نتمكن من الفهم الصحيح للواقع المعاش. وفى ذلك فليجتهد المجتهدون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved