الرجاء فى البقاء
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 26 ديسمبر 2015 - 10:35 م
بتوقيت القاهرة
عندما نتناول أوضاع المسيحيين فى الشرق، لابد من الحديث عن محور دورهم فى صناعة الشخصية الشرقية ــ العربية من حيث الثقافة والتربية أو من حيث الاقتصاد والاجتماع أو من حيث النضال الوطنى. كانت أدوارهم ومواقفهم وأدبياتهم فى هذه المجالات كافة جوهرية وأساسية. وكانت تعبر بواقعية عن أصالتهم الشرقية وعن التزامهم بقضايا أمتهم فى صناعة مصير ومستقبل دولهم الوطنية. ولا عجب فى ذلك فهم جزء أساسى من نسيج المجتمعات العربية المتعددة. كانوا قبل الإسلام، واستمروا مع الإسلام، وكانت لهم فى المرحلتين مساهماتهم البناءة والمباشرة فى إنتاج الحضارة الإسلامية التى هى موضع اعتزاز المسلمين والمسيحيين معا.
إن المتغيرات التى تعصف بالمنطقة العربية تبعث على القلق. صحيح أن الهجرة تشمل مسلمين ومسيحيين. وإن أسبابا اقتصادية واجتماعية تفرض الهجرة على الجميع إلا أن للهجرة المسيحية تحديدا سببا إضافيا، وهو تصاعد المد الأصولى الإسلامى المتطرف. بمعنى احتكار الإيمان والتكفير واحتكار الطريق إلى الله، هذا التطرف مسئول عن الهجرة المسيحية.
فقد ظهرت فى الآونة الأخيرة دراسات غربية تعلن اندثار المسيحية والمسيحيين فى غضون خمسين عاما خصوصا أن كثيرا من المهاجرين والمهَجَّرين هم مسيحيون، ويتساءل القراء الأعزاء: ما هى الأسباب؟ وهل كان ذلك صحيحا أم لا؟ الأسباب باتت معروفة فأول المتآمرين على مسيحيى الشرق هم الغرب ذاته الذى يقال عنه خطأ «الغرب المسيحى» وهذا لم يعد صحيحا فالغرب فيه مسيحيون وفى جذوره الحضارية تكمن قيم مسيحية ولكن هناك أيضا قوى الشر التى خربت المجتمع الغربى والذى أصبح «لا دينيا» بحجة فصل الدين عن الدولة وهذا موضوع طويل يطول شرحه. ولكن الصراع العربى الإسرائيلى هو أول وأكبر أسباب هجرة المسيحيين من أراضيهم الفلسطينية مع كثير من إخوانهم كذلك الغزو الأمريكى الغربى للعراق وتفتيت العراق على ما هو عليه أدى إلى هجرة مسيحيى العراق وعلى سبيل المثال ففى بداية الغزو كان عدد المسيحيين مليون مسيحى أما الآن فلا يزيد على أربعمائة الف مسيحى على أحسن تقدير، كذلك صعود الإسلام السياسى الرافض والكاره والمكفر للآخر مع ظهور التنظيمات الإرهابية التى نشهدها اليوم بتسمياتها المختلفة والتى أسرت وسبت واستولت على مدن وقرى عدد المسيحيين فيها كبير ــ لعب دورا مهما فيما نشهده الآن من نزيف الهجرة.
لا يمكن النظر إلى المسيحيين كأقلية فى بلدانهم، بل يجب النظر إليهم كمواطنين أصيلين وأصليين فى عالمهم العربى، وبهذه الصفة هم مثل غيرهم من المواطنين العرب، وهم معهم أغلبية، وكرواد فكر وحضارة فى بلدانهم، وليسوا على هامش التاريخ فى المنطقة، وكلاعبى دور سياسى ووطنى، فى بلدانهم، وقد نشروا مشاريع التحرر والاستقلال والوحدة فى المحيط العربى. فلم تتغلب «مسيحيتهم» على عروبتهم ووطنيتهم، المسيحيون مرتبطون بأوطانهم وأرضهم فهم أصلاء فى هذه الأرض ولا يتمنوا تركها مثلهم مثل أقرانهم المسلمين لذا كثيرون يودون الرجوع إلى ارضهم شريطة ألا يقذف بهم الزمن بعيدا، والكنائس تعمل كل ما فى وسعها ليظل المسيحيون باقون فى تلك الأرض المقدسة التى شهدت ميلاد الإيمان بالإله الواحد فيها. لذا كلنا أمل ورجاء أن تكون الحياة أقوى من الموت والبقاء أقوى من الترك.