الفصل الختامى فى الأزمة السورية: الرابحون والخاسرون
عبد الله السناوي
آخر تحديث:
الأربعاء 26 ديسمبر 2018 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
بإعلان الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» سحب قوات بلاده من سوريا افتتحت صفحة جديدة فى أزمتها المستحكمة.
ما حدود التغير فى موازين القوى وقواعد الاشتباك؟
هذا سؤال أول.
وعلى أى وجه سوف تستقر حقائق الصراع؟
هذا سؤال ثانٍ.
ومن الرابحون والخاسرون فى نهاية المطاف؟
هذا سؤال ثالث.
لكل تطور جوهرى مقدمات تومئ إليه وتداعيات تترتب عليه.
لم يكن قرار الانسحاب ــ بذاته ــ مفاجئا لكن توقيته بدا مربكا للحلفاء والخصوم على قدم المساواة.
أثناء حملته الانتخابية تبنى المرشح الجمهورى «ترامب» هذا التوجه، فهو يعتقد أن أى دور عسكرى أمريكى لابد أن يدفع ثمنه.
فى (29) مارس الماضى أعلن ذات التوجه للانسحاب فى أسرع وقت، لكنه أرجأه بضغوط من البنتاجون والاستخبارات الأمريكية، وهو غير مستعد ــ الآن ــ لأى إرجاء جديد.
ليس هناك سر كبير فى أسبابه، فبتصاعد أزماته الداخلية مع الكونجرس والميديا والمنظمات الحقوقية والمجتمع الأكاديمى تأكدت رغبته فى مخاطبة جمهوره المحافظ المتشدد الذى انتخبه على قاعدة أن أمريكا أولا والتخلص من صداع المهاجرين والأقليات بقدر ما هو ممكن واتباع سياسة اقتصادية حمائية وألا يكون هناك دور عسكرى بلا أثمان تدفع.
بتعبيراته: «هل تريد الولايات المتحدة أن تكون شرطى الشرق الأوسط؟.. وألا تحصل على شىء غير خسارة أرواح غالية وإنفاق آلاف تريليونات الدولارات لحماية أشخاص لا يثمنون فى معظم الأحوال تقريبا ما تقوم به».
بالمخالفة لأوضح الحقائق على الأرض أعلن أن مهمة الحرب على «داعش» تمت ونسب إلى نفسه الفضل الأول فى حسمها.
لم يكن أحد مستعدا أن يصدق أن الحرب على الإرهاب انتهت، أو أن يستسيغ ما قاله من أن «روسيا وإيران وسوريا وغيرهم هم الأعداء المحليون لتنظيم داعش وكنا نقوم بالعمل نيابة عنهم»، ولا هو كان يعنيه كثيرا أن يتسق كلامه مع حقائق الأدوار.
بكلام آخر فإن قراره بسحب القوات الأمريكية، التى تبلغ نحو ألفى ضابط وجندى أغلبهم من القوات الخاصة، يدخل فى سياق محلى لا دولى، انتخابى لا استراتيجى.
وقد كان من تداعيات الحجج التى ساقها «ترامب» لتبرير قراره ارتفاع منسوب الاحتجاج عليه فى دوائر المؤسسة الأمريكية، نسبة كبيرة من أعضاء مجلسى الكونجرس دعوا إلى مراجعته، ووزير الدفاع «جيمس ماتيس» أعلن استقالته وتبعه بساعات المبعوث الأمريكى للتحالف الدولى ضد تنظيم «داعش» «بريت ماكجورك»، وخرجت انتقادات حادة من داخل الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.
هكذا أدخلت على خطة «ترامب» تعديلات جديدة لتخفيف وطأتها على المعسكر الذى يفترض أنه يقوده.
فى البداية تحدث عن «انسحاب كامل وسريع» فى فترة لا تزيد عن مائة يوم لإعادة كل الجنود، غير أنه تحت الضغط أعاد صياغة قراره بأن يكون الانسحاب تدريجيا دون التزام قاطع بجدول زمنى معلن معترفا بأن الحرب على «داعش» ما زالت جارية.
الأخطر أنه أحال ملف استئصال «داعش» إلى الوكيل التركى رغم التوترات والمشاحنات التى جرت معه واستدعت عقوبات عليه فى وقت سابق.
يصعب نسبة أى دور جوهرى للقوات الأمريكية فى الحرب على «داعش» باستثناء تدريب وتسليح وتوفير الغطاء الجوى لقوات «سوريا الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية فى معركة «الرقة».
كان الهدف قطع الطريق أمام الجيش السورى قبل أن يحكم قبضته على عاصمة الخلافة السابقة واستخدام الورقة الكردية فى أى مشاريع محتملة لتقسيم سوريا.
بدا ذلك مزعجا لتركيا التى تهيمن عليها خشية تأسيس «دويلة كردية» بدعم أمريكى على حدودها الجنوبية تفضى إلى تفكيك دولتها التى توجد بها أقلية كردية كبيرة.
أضيفت إلى مصادر الإزعاج خطط التقسيم التى تبنتها الإدارة الأمريكية فى الشمال السورى رهانا على تمركزات «وحدات حماية الشعب» الكردية.
كالعادة يدفع الأكراد ثمن الرهان على الحليف الأمريكى حيث يجرى التخلى عنهم وتركهم لمصائر غامضة فى منتصف الطريق.
كانت تلك النقطة ــ بالذات ــ محلا لتساؤلات ومساجلات تحذر من مذابح متوقعة للأكراد السوريين عند اقتحام «منبج» وشرق الفرات بعد انسحاب القوات الأمريكية.
بتعبير منسوب لقوات «سوريا الديمقراطية» فإنه: «طعنة فى الظهر».
أحد الاحتمالات الماثلة أن تحاول القوات الكردية مد جسور جديدة مع دمشق والاعتراف بولايتها السيادية على كامل التراب السورى مقابل الدفاع عنها أمام أى تغول تركى.
ما مصير الرقة؟.. وكيف تستعيدها دمشق؟
باليقين فإنها مسألة وقت.. بالتفاهم أو بالسلاح.
قواعد الاشتباك اختلفت والحسم عنوان الفصل الختامى أيا كانت طريقته.
ما مستقبل «تحالف الضرورة» الذى جمع طهران وموسكو مع أنقرة فى مسار استانة؟
وإلى أى حد يختلف الدور التركى عما كان عليه قبل القرار الانسحاب الأمريكى الذى يوافق مصالحها وتصوراتها؟
يصعب الحديث عن صدامات متعجلة بين أطراف استانة، لكنه لا يمكن غض الطرف عن قواعد الاشتباك الجديدة.
إذا ما كان الكلام جادا حول الإرهاب والحرب عليه فإنه لم يكن هناك أى دور تركى يعتد به، بل إن أنقرة ساعدت بجهد وافر لفترات طالت على إيواء الجهاديين وتمويلهم وتسليحهم قبل تمريرهم إلى ميادين الدم.
كما أن التعريف التركى للجماعات الإرهابية يتصدرها «حزب العمال الكردستانى» و«وحدات حماية الشعب» القريبة منه قبل «داعش» و«النصرة» التى ترتبط بعلاقات وثيقة حتى الآن مع استخباراتها.
هل هناك تفاهمات غير معلنة وصفقات مضمرة تحدث الآن فى كواليس العلاقات الأمريكية التركية بخصوص إدارة الملف السورى بالوكالة؟
حسب ما هو معلن فإن هناك اتصالات تجرى لمنع حدوث أى فراغ فى السلطة بالتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية.
تعبير فراغ السلطة نفسه غريب على قوتى تدخل دون أى غطاء شرعى أممى أو سورى.
وحسب ما هو معلن فإن هناك تفاهما ما على سحب تدريجى للقوات الكردية من «منبج» لتجنب أى مذبحة محتملة.
تقليص نفوذ الجماعات المسلحة الكردية نتيجة مباشرة لقواعد الاشتباك الجديدة.
التعويل على «الجيش السورى الحر» كـ«حصان طروادة» للقوات التركية نتيجة مباشرة ثانية لكنه يظل تابعا لا شريكا فى إدارة الملف السياسى.
إرباك مسار استانة نتيجة مباشرة ثالثة ــ فالصدام مستبعد والتفاهم ملغم.
توتر اللاعب الإسرائيلى الذى يجد نفسه أمام حقائق جديدة نتيجة مباشرة رابعة قد تدفعه لمغامرات وحماقات، وكان لافتا ما تكشف من أن «بنيامين نتنياهو» أبلغ بالقرار قبل إعلانه.
تصاعد الضغط على السعودية لتمويل إعادة إعمار سوريا التى تبلغ قيمته حسب أرقام الأمم المتحدة (400) مليار دولار دون أن يكون لها دور سياسى فى إدارة ملف الأزمة نتيجة مباشرة خامسة.
«ترامب» اتخذ القرار وأعلنه، كأنه يتحدث عن أمواله الشخصية.
حتى تتضح الصورة الكاملة عن حدود وتعقيدات العلاقات بين أطراف صيغة استانة يصعب التعويل على تسوية سياسية قريبة، تظل محتملة لكنها ليست مؤكدة فى أى مدى قريب.