صفقة بايدن ونتنياهو.. حرب في مقابل مساعدات إنسانية
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 ديسمبر 2023 - 7:00 م
بتوقيت القاهرة
لقد حل عيد الميلاد، ولا يزال الجيش الإسرائيلى منخرطا فى قتال برى واسع النطاق فى قطاع غزة. كانت التوقعات المبكرة فى واشنطن، وإلى حد ما فى القدس أيضا، تفيد بأن إدارة بايدن قد تطلب من إسرائيل إنهاء التحرك البرى المكثف ضد «حماس» فى القطاع حتى نهاية ديسمبر، وأن الأمريكيين سيسمحون، فى أقصى حد، ببضعة أسابيع أخرى من القتال بصورته الحالية.
فى هذه الأثناء، دخلت الولايات المتحدة فى عطلة العيد، كما هى حال دول العالم الغربى، وستعمل الإدارة فى واشنطن بطاقم مقلص خلال الأيام المقبلة. إن لم يحدث خلال هذه الأيام أمر شديد الاستثنائية فى حرب القطاع، فإن الأمريكيين لن يطلبوا من إسرائيل التوقف. لم ينس الرئيس جو بايدن الحرب فى غزة، وهو ليس لا مبال تماما بشأن محنة الفلسطينيين من سكان القطاع. بيْد أن الصفقة التى يظهر أنها عقدت مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قد تتيح لإسرائيل مزيدا من الوقت من العمل الحربى بصورته الراهنة.
قامت الولايات المتحدة بإحباط مقترح قرار فى مجلس الأمن الدولى، بادر إليه كل من الإمارات ومصر، بهدف الدعوة إلى وقف إطلاق نار فورى بين إسرائيل و«حماس». وفى المقابل، استجاب نتنياهو للمطلب الأمريكى بضمان دخول شحنات إغاثية إنسانية كبيرة نسبيا إلى القطاع. تظل الأزمة الإنسانية هناك شديدة الخطورة، على الرغم من كل شىء، لكن الشحنات المعززة التى يضمن الأمريكيون انتظام دخولها، تحول دون تحول هذه الأزمة إلى أزمة إنسانية واسعة النطاق.
هذه هى الصفقة القائمة بين بايدن ونتنياهو، فالرئيس، الذى يبرر أخلاقيا، فى أى حال، الرد الإسرائيلى على هجوم السابع من أكتوبر، ويؤيد تدمير سلطة «حماس»، يقوم بتأجيل وقف إطلاق النار. يضمن رئيس الحكومة دخول الإغاثات الإنسانية، بما يشمل إدخال جزء منها عبر معبر كرم أبو سالم (لإجراء الفحوصات الأمنية، وفى تعارض تام مع تصريحات الحكومة التى قضت بأنه لن يتم السماح بإدخال شحنات من إسرائيل إلى القطاع بعد الهجوم). أما فيما يتعلق بالتغيير فى شكل التحرك العسكرى الإسرائيلى والتحول إلى صيغة تخفيف الوجود العسكرى، والتحول التدريجى إلى صيغة هجمات المباغتة، فإن الأمريكيين أقل تعجلا قليلا منذ الآن، ما دامت المساعدات تدخل، وما دامت إسرائيل تقتل عددا أقل من المدنيين فى القطاع.
هناك نقطتا ضعف فى التوافق الجديد الذى بدا واضحا. فأولا، تساعد الشحنات الإغاثية «حماس» أيضا. فهى لا تتسبب فقط بتخفيف الضغط على النظام فى غزة من جانب السكان المدنيين، بل إنه من الواضح والمعروف أن جزءا من كل شحنة تأخذه «حماس»، إذ يساعد الوقود على حفظ أنظمة التهوئة فى داخل الأنفاق. وثانيا، من غير المؤكد أن التأخير فى تغيير الصيغة المعمول بها حاليا سيخدم المصلحة الإسرائيلية.
هناك معسكر آخذ فى الاتساع بالتدريج، فى المستويات السياسية ومستوى هيئة الأركان، يرى أن هناك حاجة إلى تغيير أسلوب العمل فى قطاع غزة بأسرع وقت ممكن، وذلك على خلفية الخسائر اللاحقة بالجيش الإسرائيلى فى القطاع (14 قتيلا خلال معارك نهاية الأسبوع الماضى). كما تطرح أسئلة أيضا عما إذا كانت عمليات التفتيش البطيئة والممنهجة، بحثا عن فوهات الأنفاق ومخازن السلاح، تقرب الجيش، عمليا، من تحقيق الأهداف المعلنة للحملة: نزع قدرات سلطة «حماس»، وخلق ظروف تضمن استعادة المخطوفين.
أما نتنياهو، فيواصل بث صورة مضللة، نوعا ما، للجمهور فى البلد، مفادها بأن الجيش الإسرائيلى يتقدم بسرعة نحو تحقيق النصر فى القطاع، من دون أى قيود. يوم الأحد الماضى، خلال ظهورين مختلفين، وعد رئيس الحكومة بأن إسرائيل ستواصل قتال «حماس» «حتى تحقيق النصر الناجز»، من دون أن يناقش طبيعة العملية. وفى مقابل ذلك، صرح الجنرال إليعيزر توليدانو، رئيس القسم الاستراتيجى فى هيئة الأركان، أمام الوزراء، بأن «هذه الحرب ستستمر شهورا طويلة أخرى. وسنضطر إلى إدارة اقتصاد الذخائر. نحن لا نوفر الذخائر فى التحرك البرى، ونقوم بكل ما علينا القيام به من أجل حماية حياة جنودنا».
جاءت أقوال توليدانو، بعد أن أعرب الوزير نير بركات عن قلقه من أن إسرائيل تأخذ فى اعتباراتها المطالب الأمريكية بتقليص الخطر الذى يهدد المدنيين الفلسطينيين، وبذلك، هى تقلل من استخدام الضربات، بصورة تعرض حياة الجنود للخطر. إن صوت بركات، الذى تجرأ فجأة على مهاجمة نتنياهو بصورة غير مباشرة، يضاف إلى شكاوى متزايدة ومتصاعدة من الجناح اليمينى المتطرف فى الحكومة ضد طريقة خوض الحرب. هذه هى أيضا الورطة التى يجد رئيس الحكومة نفسه فيها، عندما يسمع التوقعات الأمريكية بشأن تغيير طبيعة القتال.
عاموس هرئيل
محلل عسكرى هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية